بيان خطير يستدعي التوقف عنده ومناقشته جملة وتفصيلا لما يحمله من أكاذيب وافتراءات على الجالية اللبنانية في ديترويت بكل أطيافها (راجع نص البيان ص ٥). بيان يحمل الكثير من العنصرية والطائفية بالقدر الذي يحمله أصحابه منهما. فلا عجب، تلك هي الأخلاق التي تربت عليها القوات اللبنانية، المحرك الاساسي لافتعال الفتن ودس الدسائس وحياكة الأكاذيب، حتى من الخارج. بيان، وُصف بالعاجل، لأن المحرضين على الفتن لا يستطيعون الانتظار والاستمهال، متخذين من مسألة إدارية تتعلق بتعيين موظف من قبل وزارة الخارجية ذريعة كي يشنوا حملة تجنٍ على الجالية اللبنانية في ديترويت وعلى كل القناصل الذين تعاقبوا على القنصلية فيها، وللمصادفة فقط، فإن تلك الحملة استثنت بشير طوق القنصل اللبناني العام بالوكالة. طبعا، لا يستطيع المرء أن ينكر المحاصصة وينفي وجودها في كل إدارات الدولة اللبنانية، ومنها السلك الدبلوماسي، ولكن المنطق يقول أن يتم التعامل مع هذه المواقع بما يخدم مصلحة الجالية اللبنانية في الخارج، وليس مصلحة الطوائف بمعزل عن انتمائها الوطني، وليس مصلحة فريق سياسي دون الآخر. وليس مهما حجم الطائفة الفلانية ومدى تفوقها على الطائفة الأخرى حتى يكون القنصل من أبنائها، فتلك مهزلة ما بعدها مهزلة، وعندها فليُعين رجل دين مكان القنصل ولتتحول القنصلية الى مسجد او كنيسة. فالمعيار الاساس هو التفاني في خدمة الناس وتسهيل معاملاتهم دون منة من احد مع حفظ كراماتهم.
لماذا اللف والدوران والمواربة، فأصل المشكل افتعله القنصل بشير طوق عندما تخطى صلاحياته وقام بتعيين موظفة من دون علم وزارة الخارجية، محاولا فرضها كأمر واقع، وذلك من خلال مزاولتها العمل قبل أن توظف رسميا. فمن انتهك القانون، حسبما يدعي البيان؟ بعض أفراد الجالية الذين تدخلوا لدى وزير الخارجية الذي تخطى صلاحياته وتجاوز الأمين العام لوزارة الخارجية كما يدعي البيان، أم الذي لم يستشر وزارته بأمر يعرف هو أنه ليس من صلاحياته؟
وفي هذا السياق لا بد من التذكير بأن الجالية اللبنانية في ديترويت الموصوفة في البيان بالتعصب الطائفي هي التي عملت بالتعاون مع القنصل العام السابق السفير الحالي في أبيدجان علي عجمي على نقل القنصلية الى مبناها الحالي الذي يليق باللبنانيين، وهذه الجالية هي التي قامت بتجهيز القنصلية بالأثاث المطلوب كي تصبح على ما هي عليه اليوم. واذا أردنا أن نتبع معايير الكفاءة فمقارنة سريعة مع الموظف الجديد محمد حمود والسيدة سمر أبو حنا معلوف، الناطقة باسم حزب القوات اللبنانية في ميشيغن، تجعل حظوظ الأخيرة معدومة لتمتع حمود بخبرة عشر سنوات من الخدمة قضاها في السفارة اللبنانية في العاصمة الكندية أوتاوا. (كانت »صدى الوطن« قد التقت السيدة معلوف بوصفها ناطقة باسم حزب القوات اللبنانية في ميشيغن، وحصلت منها على تعليق على تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، في الاحتفال بذكرى الاستقلال الوطني الللبناني، في العام الماضي).
واذا اردنا أن نتبع المعايير الطائفية (البغيضة) كذلك فإن حظوظ السيدة معلوف تبقى معدومة لأن حمود يشغل مكان موظف شيعي سابق، ومن الناحية الحزبية اذا كان حمود شيعياً ويعتبره البعض محسوباً على »حركة أمل«، فهو يتمتع بخبرة طويلة في خدمة جالية معظم أبنائها من المسيحيين، فإن معلوف، بدورها، هي مسؤولة في حزب القوات اللبنانية.
والملفت في البيان-الرسالة، هو مشاركة تيار المستقبل في إصداره، خاصة وأنه تضمن احصاءات دقيقة! تحصي الجنين في بطن أمه، ولكنها أغفلت الوجود السني في ميشيغن مع التحفظ على الأرقام التي تتنافى مع كافة الإحصاءات التي أجريت في هذا المجال. وكان الحديث يجري عن أن تيار المستقبل في ميشيغن، بتعييناته الجديدة ينوي اتباع سياسة انفتاحية تقربه أكثر من مختلف شرائح الجالية، وذلك من ضمن سياق سياسي عام وضعت مداميكه في لبنان، والظاهر أنها لم تصل إلى الخارج بعد(!) وتحديدا الى الولايات المتحدة، ليتبين أن القيّمين على التيار، أو ما يسمى القيادة الجديدة المعينة، لا يفقهون شيئا من أمور السياسة، ولا يعرفون شيئا عن المصلحة الوطنية، ولا يرون أبعد من أنوفهم، ونظرتهم للأمور لم تزل نظرة مذهبية بحتة تحركها المصالح الشخصية والفئوية، بل الغرائز الدفينة. والأمر الأهم والذي لم يلتفت إليه المسؤول في تيار المستقبل عن اصدار البيان هو كيف سيجلس أعضاء تيار المستقبل في ميشيغن بعد اليوم على طاولة واحدة الى جانب من يصفونهم بالتعصب الطائفي؟!
واذا كنا نفهم العلاقة بين القنصل بالوكالة بشير طوق وأصحاب البيان الذي عكس حرقة وتململ السيد طوق من قرار وزارة الخارجية الذي ألزمه باتباع الأصول القانونية التي تحتم عليه العودة اليها قبل اتخاذ أي إجراء، خاصة وأنه قنصل عام بالوكالة، حيث تفرض عليه الأعراف الدبلوماسية أن يتصرف كقنصل مؤقت، فيما يعرف باللياقات الدبلوماسية الواجب على أي موظف في السلك الدبلوماسي اتباعها، فإن المريب في الموضوع أن يقبل موظف رسمي بوصف جزء مهم من الجالية اللبنانية في ديترويت بالتعصب والطائفية، ومن المفترض أنه موفد من الدولة لخدمة الجالية، وإذا كان القنصل لا يوافق على ما ورد فيما سمي بـ»الرسالة العاجلة« الى رئيسي الجمهورية والحكومة، لماذا لم تصدر عنه ادانة للرسالة ونفي للمعلومات المغلوطة التي تضمنتها. فليسمح لنا القنصل الوكيل السيد طوق، إذا كان يعتبر أن الجالية اللبنانية في ديترويت لا تقرأ ولا تسمع حتى يتم اخفاء بيان بهذه الخطورة عنها ونشره »خلسة« في لبنان بقصد اثارة النعرات الطائفية والحزبية ظنا منه، أو من كتبة الرسالة، ان ذلك يحوله الى قنصل عام أصيل في ديترويت. وسيبقى هذا الموقف قائماً منه حتى يصدر توضيحاً يشرح فيه ملابسات البيان وموقفه منه. واذا كان يحتج عبر وسطاء على معاملة وزارة الخارجية له فان هنالك العديد من الانتقادات على ادائه وعلى طريقة تصرفه في القنصلية اللبنانية في ديترويت، الأمر الذي لا نرغب في الخوض به الآن كي لا يضيع الموضوع الأساسي في التفاصيل الضيقة.
وإذا كان القنصل العام بالوكالة السيد بشير طوق لا يوافق على ما ورد في البيان فما الذي دفعه الى السكوت عنه ومحاولة طمسه بالصمت.
ألم يكن حري به أن يتصل بفعاليات الجالية، وهي التي أخذته على الراحات وفتحت له أبوابها وكنّت له كل محبة واحترام، ألم يكن حري به أن يدعوها الى اجتماع عاجل يشرح فيه ملابسات البيان لاحتواء أزمة قبل اندلاعها، خاصة وأنه مضى على نشر البيان في جريدة »النهار« اللبنانية في بيروت أكثر من عشرة أيام؟ أم يريد سعادته إقناعنا بأنه لم يكن على علم بالبيان، وفي ذلك استخفاف بعقول أبناء الجالية؟
وإذا كان طوق لا يجرؤ على مواجهة مرجعيته السياسية المشاركة في إصدار البيان، وهذا أمر مفهوم، فلا شأن للجالية اللبنانية في ذلك وهي غير معنية باختلاق الأعذار له ومنحه أسباباً تخفيفية عن خطيئة ارتكبت بحق جزء كبير من الجالية اللبنانية في ميشيغن.
نكتفي بهذا القدر على أمل أن يتعظ البعض ويجعلها مناسبة لتصحيح الخطأ وتقويم الاعوجاج وامتلاك الجرأة على الاعتذار من جالية تعتبر الأكبر حول العالم..
وأخيراً، فإن الجالية اللبنانية في ميشيغن، بكل فعالياتها، مدعوة للتحرك والتصدي لما تتعرض له من إساءات وافتراءات..
Leave a Reply