أحب أن أكون رجل اللباقة، محافظاً على فنون الذوق التي لا تعني بالنسبة لي مجرد قواعد سلوك عام، بل رموزاً أخلاقية عميقة المعاني، مع أنني وبشكل مثير للسخرية لا أعرف من تقاليد “الإتيكيت” سوى استخدام الشوكة باليد اليسرى، والسكين باليد اليمنى. أنبذ الفظاظة وأحترم الكياسة..
أحب أن أكون الجنتلمان الدمث، شديد التهذيب، بكل برودة الأعصاب التي تعمصني من الخروج عن طوري، مع أنني لا أعرف من عادات “الجنتلمانية” سوى تقبيل أيدي النساء اللواتي يتم العرف عليهن للتو، في مجتمع مايزال فيه احترام المرأة، يعني في كثير من الأحيان، تجاهلها وعدم النظر إليها أو توجيه الكلام لها..
أحب أن أكون رشدي اباظة بكل مواصفاته (عدا كونه ميتاً)، ليس بسبب الأدوار التي مثّلها، من الطبيب الذي لا يذهب إلى عيادته، إلى المهندس الذي لا يذهب إلى المصنع، إلى رجل الأعمال الذي يجمع ثروة كبيرة بدون جهود مضنية ويبددها في سهرات عامرة بالجميلات والموسيقى. ومع أنني شخص يكره العمل، فإنني أحب أن أكون ذلك الممثل فقط لأجرب واقعية ذلك المشهد السينمائي المكرر، الذي لا يمت لواقعنا بأية صلة، بالاقتراب من امرأة متأنقة وسؤالهاً متودداً: “تسمحي لي بالرقصة دي؟!”.
أحب أن أكون شاعراً حساساً ومثقفاً حصيفاً، شخصاً سهل الوقوع في الحب والغواية، وشخصاً يصعب الإيقاع به، بسبب مكابرات شخصية مثيرة للرثاء والضحك في أغلب الأحيان. شاعراً يصنع الآخرون صورته ويأسطرونها، ثم يحطمونها في أول مرة يصادفونه وهو يتسوق الخضار، أو مثقفاً تتهشم صورته النقية لمجرد أنه يلبس قميصاً بزر مقطوع، أو يطالب بمكافأة عن مقالة نشرها. (بالمناسبة ثمة آخرون لا يرون في الشاعر أو المثقف أكثر من شخص عاطل عن العمل).
أحب أن أكون، إيميتاب باتشان، الممثل الهندي الأسطورة، مع أنه لم يفز بأية جائزة أوسكار، أو أية جائزة أخرى مرموقة. أحب أن أكونه.. بالرغم من تلك الصبغة التجارية والطفولية الساذجة التي تصبغ أعماله، ليس لأنه من الممثلين القلائل الذين يبدون أكبر من الشاشة نفسها، بل لأنه كان يرفض أن يقوم الممثلون البدلاء (الدوبلير) بتأدية المشاهد الخطرة نيابة عنه. وأحب أن أدخل المستشفى مثله بعد مشهد خطير (كاد أن يودي بحياتي) ليس بسبب تقاطر آلاف المعجبين من جميع مدن الهند مشياً على الأقدام إلى حيث يرقد في غرفة العناية المشددة رافعين الصلوات من أجل نجاته وسلامته، بل لأنني أريد أن أكون ذلك الشخص الذي يلتبس عليه الخيال بالحقيقة، والواقع بالسينما..
وما دمنا في الهند، أحب أن أكون زعيماً وطنياً على شاكلة المهاتما موهاندس غاندي، لأقود مسيرة “ملح” حاشدة، تغيّر “طعم” الأشياء الوطنية. رجلاً يحرر أمة بالكلمات الرقيقة، وينجز “وعياً” وطنياً بالإضراب عن الطعام. أحب أن أكونه.. لتحاك الأساطير عن زهدي وتقشفي وروحانيتي.. لدرجة “التآخي” مع زوجتي، ولا يهمني إذا اكتشف شعبي فيما بعد أنني كنت رجل نساء من طراز أول..
أحب أن أكون لاعب كرة قدم بمستوى دييغو مارادونا، طفلاً عنيداً يأتي من الأحياء الفقيرة في أحزمة البؤس، ويصبح بعد سنوات قليلة.. بورصة. لاعباً مهووساً بـ”الطابة” من دون أن يكتفي بالأهداف الرائعة التي سجلها في الشباك وفي التاريخ، بل يقوده جنون عظمته إلى الرغبة في “التهديف” في شباك السلطة الحاكمة في بلاده..
في الواقع وفي الحقيقة، أنا أحلم ولا أطمح أن أكون أياً من هؤلاء، بل حتى أنني لا أشعر بالغيرة منهم. هوسي الأكبر وطموحي الدائب أن أصبح “ماتادور”.. لأن الحلبة مليئة بالثيران!..
Leave a Reply