هي إحدى الرسائل السورية إلى رئيس الجمهورية ميشال سليمان من أدنى رتبة سياسية في سلسلة المواقع التي يحتلها حلفاء سوريا في لبنان. لكنها رسالة ليست كالتي كان يقوم الرجل بإيصالها الى وليد جنبلاط قبل حسم مسألة زيارته سوريا ومصالحة رئيسها ونظامها.
وليست كالتي كانت سوريا تقوم بايصالها عبر قنوات خاصة كي تبدي امتعاضها من شيء ما، أو توحي الى طرف ما بحل أو بسر أو بوصفة لعلاج أمر مستعص. هي من أكثر الرسائل السورية وقعا منذ انتخاب العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية في 22 أيلول 2008، وأشد إيلاما لرئيس الجمهورية الذي لم يحسن، أو لم يدر كيف يناغم حراكه السياسي مع مقتضيات السياسة السورية في لبنان.
عبر وئام وهاب، الحمام السوري الزاجل، وصل البريد الاحتجاجي على “العهد السليماني” ففتحه وهاب في الرابية حاوية التمثيل المسيحي الأكبر في جبل لبنان مسقط رأس العماد ميشال سليمان، رسالة مضمونها دعوة للاستقالة. وفي ذلك اشارة بعيدة الدلالة الى أن رئيس الجمهورية مقبل على مواجهة داخلية (مرهونة بأدائه) مع معارضة قيد التشكيل أقطابها الرئيسيين الرئيس السابق إميل لحود والرئيس عمر كرامي والوزير السابق عبدالرحيم مراد وايلي الفرزلي واسامة سعد، وطبعا وئام وهاب.
من نافذة الدعوة الى طاولة الحوار وجه الخصوم اولى سهامهم تجاه الرئاسة الاولى مسددين بذلك صفعة شارك بها خصومهم في المقلب الاخر من المشهد السياسي، الى رئيس الجمهورية لتكون البداية لتحرك يُعمل على أن يكون جامعا ويكون موقعه في الخارطة السياسية على يمين قوى “8 آذار”، فيقول ما لا تستطيع هي أن تقوله، ويقوم بما لا تقدر عليه لالتزامها بسقف لا يمكن خرقه في الوقت الحالي.
وعليه، فإن مرحلة جديدة ستبدأ من التعاطي السوري مع الرئيس ميشال سليمان، فور الانتهاء من ملفين اساسيين: الأول زيارة النائب وليد جنبلاط لسوريا، والثاني حل الإشكالية في العلاقة بين رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري والرئيس السوري بشار الأسد، والتي من المفترض معالجتها في الزيارة المنتظرة لسعد الحريري إلى دمشق. أما زيارة وليد جنبلاط ستعني تكريس الانفصال التام عن “الأكثرية النيابية” وهي المسألة التي لعب جنبلاط على وترها منذ أن أعلن خروجه من قوى “14 آذار” وبقائه في الأكثرية. أما بعد الزيارة سيحسم موقع وليد جنبلاط في التركيبة السياسية لأفرقاء النزاع، فلن يستطيع أحد من “14 آذار” أن ينسبه الى فريقه كي يقول بأني لازلت الأكثرية، لا في مجلس النواب ولا في مجلس الوزراء ولا حتى في الشارع. بل ستخرج قيادة المقاومة لتقول بأن حلفائي هم الأكثرية في مجلس النواب وفي مجلس الوزراء وعلى طاولة الحوار وفي الشارع. كذلك فان رئيس الجمهورية سيحرم من “النسب الجنبلاطي” الذي التصق به في الفترة الاولى من ولايته بفعل “المصاهرة” الوسطية التي حمل لواءها كل من الرجلين. وبالتالي فان زيارة جنبلاط ومصالحته للقيادة السورية مع ما يترتب على ذلك من اعادة تموضع عن التموضع الاخير، ستؤدي الى تجريد رئيس الجمهورية من هامش دعم كان يقدمه موقع وليد جنبلاط في المعادلة الداخلية.
وزيارة سعد الحريري الى سوريا وبت موضوع العلاقة بين الرئيسين والدولتين، سيفسح الطريق أمام مرحلة جديدة مع سوريا، وسيفتح مرحلة جديدة من التعاطي مع لبنان سيكون مركزه سعد الحريري كممثل للدولة اللبنانية حيث تُناقش وتُحل معه كل النقاط العالقة بين البلدين من ترسيم الحدود الى المجلس الأعلى اللبناني–السوري الى الاتفاقات الأمنية والقضائية والاقتصادية الى ملف المفقودين وغيرها، وذلك سيؤدي ايضا الى زيادة الطوق السوري المضروب على الرئيس ميشال سليمان الذي ينتزع منه ملفا اساسيا كانت كل القوى اللبنانية قد أوكلته أمر معالجته، ملف العلاقات اللبنانية–السورية.
فهل يتناغم الرئيس مع اوركسترا العزف السورية ويرقص على أنغامها طربا ولو غير فرحا، أم أن مهمة جديدة قد بدأت لوئام وهاب، الحمام السوري الزاجل؟
Leave a Reply