ظنت حكومة لبنان الناكرة للجميل والمتنكرة لسماحة الإمام السيد موسى الصدر (يا للمفاجأة) أن معمرالقذافي قد حل لها مشكلة قرار عدم حضور مؤتمر قمة العجز العربي بضيافة أكبر خائن لأصول الضيافة والتقاليد العربية والإسلامية، وذلك عندما قام نظام القذافي المأفون متشبثاً، كعادته، للوصول إلى اهدافه بالتحايل والتلاعب والخدع والألاعيب والأضاليل التي أصبحت طبيعته الثانية خصوصاً بعد ارتكابه جريمة خطف الإمام الصدر ورفيقيه في شهر آب من العام ١٩٧٨ المشؤوم، بتسليم سفير لبنان في سوريا الدعوة إلى المؤتمر بدل مراعاة الأصول والأعراف الديبلوماسية المتبعة في العالم والتي لا يعرف عنها “الدكتاتور الجماهيري” شيئاً!
فقد إعتبر رئيس الجمهورية “التوافقي” في “حفلة” لمجلس الوزراء أنه بسبب الغلطة الليبية (التي جاءت من السما) فإن لبنان لم يتسلم دعوة رسمية لحضورالمؤتمر. لذا فسبب عدم حضور “شبه الوطن” مؤتمر البكاء العربي على الأطلال هو للأسف بروتوكولي بحت وليس مبدئياً من باب أن قائداً بحجم الإمام الصدر، رمز الكرامة والشرف والعنفوان والإيمان المشرق والمقاومة، غيبه النظام الليبي منذ أكثر من ٣١ عاماً ضارباً عرض الحائط بكل القيم والاعتبارات والمشاعرالمحيطة بدور الإمام ورياديته. وليس السبب لعدم الحضور الميمون هو أن القذافي وزمرته مطلوب من قبل القضاء اللبناني “العادل والنزيه” لأنه إرتكب جريمة العصر بلا منازع التي لا يجرؤ القذافي على الإعتراف بها كسائر جرائمه المكلفة الأخرى! كل هذا لم يكن كافياً للتمنع ومقاطعة مؤتمر قمة بائس كغيره من المؤتمرات المكدسة بلا طائل بينما تمعن إسرائيل في قضم وبلع أراضي العرب وشرفهم. فقط الإهانة التي لحقت بموقع الرئاسة التي لم تتسلم دعوة رسمية هي التي أدت إلى إتخاذ لبنان هذا “القرار” الجريء والتاريخي بعدم الحضور. أما الإهانة التي لحقت بالامام الصدر وشعبه من كل الطوائف، فلا تستحق إعلان موقف من أجلها.
غير أن حسابات الحقل العربي لم تنطبق على حسابات البيدر الحكومي. فقد أعلن عمرو موسى “أمين” عام “جامعات” الدول العربية أن لبنان تسلم الدعوة المباركة ثم قام بنشاط مكوكي بين لبنان وليبيا لإقناع الأول بالحضور، أين منه رحلات هنري كيسنجر السيء الذكر المكوكية بين مصر وإسرائيل! والله يحتار المرء فعلاً وهو يحك رأسه على طريقة وليد جنبلاط: ما هو سر هذ النشاط من قبل عمرو موسى على حضورلبنان “مؤتمر قمة القذافي” ومن دون كشف مصير الإمام الصدر؟! وكيف لم نر هذا “الأدرينالين العمروي” عندما عقدت القمة في دمشق فهل تعلم العرب أخيراً من “الشطارة الديمقراطية اللبنانية” القاضية بإتباع صيف وشتاء فوق سقفٍ واحد؟! وهل كشف موسى الحكومة اللبنانية الذارفة لدموع التماسيح عندما قال أنها لم تطرح على جدول القمة موضوع سماحة الإمام؟ لماذا تفعل هذا وقد استمعت أعلى سلطة فيها لتقيؤات القذافي الكلامية لمدة ثلاث ساعات في قاعة الامم المتحدة من دون أن تنبس ببنت شفة حول جريمة القذافي؟ وبالمناسبة أين جواب السؤال الذي طرحة رئيس الجمهورية بإسم الشعب اللبناني على نظام القذافي حول مصير الإمام الصدر؟! وهل هذا السؤال يطرح في الداخل اللبناني فقط وليس في ألخارج؟
وبعد كل هذا، صوّرالبعض في لبنان، على شاكلة فارس سعيد و”أمانته السامة” لجوقة “١٤ آذار”، مسألة المشاركة بالقمة العربية على أنها قضية حياة أوموت، وأن للغياب عن اللقاءات العربية تداعيات دبلوماسية وسياسية بل وحتى اقتصادية. لكن لا يهم فـ”أبو الفروس”، الذي كان له “شرف” تقليد جون بولتون وسام الأرز، يتفهم “هواجس البعض” حيال ليبيا! فلا فرق في أن يكون هذا “البعض” يشكل نصف الشعب اللبناني! ويتناسى هؤلاء تغيّب لبنان عن قمة دمشق عام ٢٠٠٧ بقرار منفرد من فؤاد السنيورة الذي صادر صلاحيات موقع الرئاسة أيام حكومته غير الشرعية! فلماذا تكون “قمة القذافي” ٢٠١٠ التي يريدها لدغدغة جنون العظمة عنده فقط، مسألة مصيرية مقدسة بينما كانت “قمة دمشق” قضية ثانوية؟!
لذا بدا أن لبنان الرسمي قد إنحاز إلى رأي الجانب الآخر وأخذ قراره بالمشاركة في قمة سرت، وذلك قبل صدورقرارعن مجلس الوزراء الذي حسم هذا الامر بتمثيل لبنان عبر مندوبه لدى الجامعة العربية خالد زيادة. وقد أسرّ رئيس الجمهورية لبعض زواره أن قرار المشاركة جاء نتيجة تفاهم مع رئيس الحكومة الذي “لا يريد أن يزعج أحداً في الداخل لكنه أيضاً لا يريد تغييب لبنان عن هذه المناسبة”، بالرغم من الوعد الذي قطعاه بالمقاطعة، حسب تقاريرصحافية! وهكذا إتخذ القرار العرمرمي في السراي الحكومي حتى لا يحرج الرئيس “التوافقي” (أن شاء الله لا يعلم أحد بكلامي هذا حتى لا يعتبرفارس سعيد أني جزء من الحملة المبرمجة على الرئيس!).
من المؤسف أن يتحول سماحة الإمام الصدرالذي أعطى عمره لهذا البلد مادةً للتداول السياسي. فها هو دلوع أبيه سامي الجميل يقارن بين ثريا الإمام وثرى “حزبوي كتائبي” متسائلاً عن عدم معاملة سوريا (حتماً)، المتهمة بخطفه، بالمثل؟ يبدو أن والده زعيم “العائلة المالكة” لم يبلغه أن السنيورة قاطع “قمة دمشق” بسبب إتهام سياسي أصدره صغار “١٤ آذار”! ثم كيف نريد أن نقاطع سوريا وكان حلم أطفال السياسة وعقول ربات ألحجال في الكيان هو إقامة علاقات ديبلوماسية مع سوريا؟ نريد أن نفهم.
كان الأجدى بحكومة لبنان العلية أن لا تتلهى بالقشور وبآليات التمثيل والبروتوكول والأشرف للبنان أن لا يتمثل ولو بحاجب في مؤتمر الخاطف والمغيب (مع احترامنا للحاجب صاحب المهنة الشريفة بعكس مهنة غلمان السياسة في لبنان) ونقطة على السطر. فوجود لبنان في هكذا قمة، بأي مستوى سيفسر على أنه إعطاء القذافي شرعية وبراءة ذمة من جريمته النكراء مما يناقض حكم القضاء اللبناني. كما على هذا النظام اللبناني ألا يتلهى بالدفاع عن السنيورة واشرف ريفي وموقع الرئاسة للتغطية على خطيئة الإتفاقية الأمنية التي كشفت بالصدفة (والخافي السنيوري قد يكون أعظم). فللمرة المليون نشاهد حجم المفارقات أللبنانية المشينة بتحريم الإقتراب من مجرد إنتقاد الرئيس الحالي على ادائه “التوافقي” غيرالموفق، لكن لابأس من تجريد حملة طويلة عريضة ضد الرئيس السابق العماد أميل لحود (أتذكرون حملة فل؟) كادت تطيح به! “صيف وشتاء” مجدداً فوق سقف قصر بعبدا. والاطرف في الموضوع هو دفاع سمير جعجع عن الرئيس سليمان، فهو من دعاة الشرعية والمؤسسات!.
الأمر التافه ألآخر الذي كان حديث الصالونات هو ترقب زيارة وليد جنبلاط إلى سوريا حيث أفاض المحللون بتحليلاتهم حول هل تركت سوريا له مخرجاً مشرفاً أم لا؟ بالواقع يا كرام لو أن سوريا “بصمت بالعشرة” دائماً يطلع لها حاذق سياسي لكي يجد سلبية في أي موقف تتخذه! ففي الموضوع الجنبلاطي، هل هناك من مخرج مشرف أكثرمن إستقبال جنبلاط مجدداً في دمشق مع أنه لم يعتذر صراحةً عن إستخدامه ضد الرئيس السوري أبشع النعوت والصفات في التاريخ المعاصر، ودعوته لإرسال سيارات مفخخة لسوريا واجتياحها مثلما حصل في ألعراق؟ ألا يكفي المخرج المشرف أن سوريا سوف تلدغ مرات عدة من ناكري الجميل من سياسيي لبنان؟
لنعد إلى موضوع القمة التي ستعقد في سرت، السيئة الذكر، تلك الصحراء-السجن التي قيل أن الإمام السيد موسى الصدر سجن فيها. إن كل مؤتمرات القمم العربية لا تساوي لحظة حرية واحدة للإمام ابي صدري. ثم ماذا سيفعل زير العرب إزاء بئر التهويد الكامل للقدس وتهديدات اسرائيل للبنان؟ والله صدق الشاعر مظفر النواب مرة ثانية حين قال “قمم، قمم، قمم، معزى على غنم”.
قمم قمم، لا شيء يأتي من العدم، عيون عمياء وآذان فيها صمم، وقلوبٌ وضمائر أصابها السقم.
انها قمة سجن الإمام الصدر في سرت ولبنان الرسمي مشارك…
Leave a Reply