تستعد سوريا وتشمر عن ساعديها لاسترجاع مكانتها التي فقدتها في لبنان بعد انسحابها في شهر نيسان عام 2005، مع ما تبع ذلك من حملات شرسة محلية وخارجية وصلت الى حد المطالبة باسقاط نظامها. تنظر سوريا الى تلك المرحلة على انها اصبحت من الماضي، ولكنها ترفض ان تكون مكانتها في لبنان منقوصة او أن تكون عودتها جزئية. وليس المقصود هنا المكانة المتعلقة فقط بالورقة السياسية الخارجية التي تحرص سوريا على الامساك بها، بل المكانة الشعبية التي تمنحها سلطة معنوية كونها تعتبر نفسها العمق القومي العربي الوحيد المتبقي في محور التصدي ودعم المقاومة بوجه اسرائيل في لبنان وفلسطين المحتلة. خاصة بعد أن حملتها الظروف والاوضاع المستجدة الى الاقلاع عن حلم استرجاع لبنان المحافظة رقم 15.
طلب الرئيس بشار الأسد من رئيس الحكومة سعد الحريري في اللقاء الذي جمعهما في 13 كانون أول من العام الماضي أن يتخذ مواقف جريئة تميزه عن غيره كقائد يقود الجماهير الى الجهة التي يريدها، وكان في ذلك غمزا واضحا من أن العلاقة بين الرجلين والدولتين لن تكون على مايرام مالم تعالج مسألة “الجماهير” التي طلب الأسد من الحريري اعادة ترويضها. لم يحصل من ذلك شيء، ورفضت سوريا الاقدام على خطوة جديدة مالم يتم زجر بعض الاصوات المقربة من الحريري، اضافة الى ضبط وسائل اعلام المستقبل، رافضة ان يتم التسويق لمقولة ان الحريري زار سوريا كرئيس للحكومة، وهذا ما اشار الأسد اليه في حديثه الى تلفزيون “المنار” عندما قال بأن محاولة بناء العلاقة مستمرة “مباشرة وشخصيا كي تؤدي الى دفع الجانب المؤسساتي في العلاقة بين سوريا ولبنان”.
وهذا ما تنتظر سوريا من وليد جنبلاط ان يقدم عليه وإن بدأ الرجل رحلته اليها منذ فترة واستطاع، بخلاف سعد الحريري، ضبط المحيطين به ووسيلته الاعلامية الوحيدة “جريدة الانباء”، الا انها لن تقبل منه بأقل من العودة الجماعية للطائفة الدرزية الى الحضن السوري “حبا وطواعية”.
هذه المطالب السورية ممن يُعتبرون زعماء يتمتعون بحيثية شعبية، اما مطالبها ممن هم خلاف ذلك، هي التناغم السياسي، ورئيس الجمهورية ميشال سليمان هو المعني الوحيد بهذه المسألة كونه لم تكن هناك عداوة بينه وبين سوريا، بل دعمت ترشيحه لرئاسة الجمهورية ولم يتبوأ كرسيه في قصر بعبدا الا بموافقتها. لذا كان العتب السوري على قدر القنبلة السياسية التي فجرها وئام وهاب بوجه الرئيس، ويبدو انها أتت أكلها بوقت سريع، ما اضطر الرئيس اللبناني الى أن يخرج عن الأعراف البروتوكولية كي يدافع عن نفسه امام السفير السوري علي عبدالكريم وكأنه في حلقة استجواب ومساءلة. ولعل ابرز دلالة على البرودة في العلاقات بين الرئيسين اللبناني والسوري هو ان يصبح اتصال هاتفي بينهما حدثا وسبقا اعلاميا تتناقله وسائل الاعلام، وهو ما كان يعتبر بالامر الروتيني والعادي في عهدي الرئيسين الياس الهراوي واميل لحود.
بالمحصلة، فان الحصاد السوري بعد سنوات من العمل قد حان ومن دون ادنى تنازلات جوهرية، والباقي تعتبره سوريا تفاصيل حتى انها لا تراه على الخارطة السياسية في لبنان ولا تقيم له وزنا. ربما كان يقصد الرئيس بشار الاسد سمير جعجع في كلامه هذا..
بالمناسبة، هل من يخبر سمير جعجع عن الفرق بين اقالة الرئيس (التي أفاض في شرح اسبابها ردا على دعوة وئام وهاب رئيس الجمهورية للإستقالة) وبين استقالة الرئيس من تلقاء نفسه؟!!
Leave a Reply