محمد الوصابي
التظاهرة التي نظمها مغتربين يمنيين، و التي تجمعت صباح الثلاثاء 6 أبريل أمام المقر الرسمي لمدينة ديربورن، مثلت بحجمها المميز تطورا يحمل الكثير من الدلالات الموضوعية في سلسلة الفعاليات المتعددة والمتنوعة التي يقيمها الطرف المعني بمتابعة هذا المنحى من مناحي التفاعلات الشعبية المتصلة بالشأن السياسي في اليمن، وهي تطورات يصعب المرور عليها دون التفات أو تعليق، وذلك بالنظر الى ما يتوفر لها من عناصر الديمومة والتوسع والتطور والثبات، الأمر الذي يجعلها تبدو وكأنها تجسد ارادة يمنية ذات وزن شعبي، وقدرات تعبوية، لايمكن الاستهانة بها، خصوصا بالنظر الى ارتباطها العضوي بحركة منظمة دؤوبة تتفاعل بتناغم على امتداد مناطق الجنوب اليمني، ومناطق تواجدهم في العالم.
الفعاليات المطالبة بانفصال جنوب اليمن عن شماله التي تنظمها ديناميات يمنية في ولاية ميشيغن منذ سنوات أخذت تتسع وتتنوع بوتيرة ثابتة، ولكن ليس بتأثير آليات ذاتية محضة، بل بتأثير أكبر للتداعيات السلبية للنظام الحاكم في اليمن، حيث تستمد بعض أطراف المعارضة من تلك المفاسد إكسيرا واهيا يبرر بقاؤها المشبوه، ويمدها بموضوعات تفيدها انشائيا في المنابر، مثلما يستمد النظام الجائر منها خدمات مدفوعة الثمن تحت قاعدة “النفع المتبادل”، وعلى مرأى من العالم الذي أدرك منذ سنين عبر منظماته وبعثاته، حقيقة النظام الحاكم في اليمن، ودوره الأساسي في تدمير مكونات منظومة العمل الاجتماعي اليمني بأكمله، حتى غدت يافطة الديمقراطية في اليمن مثار تندّر وسخرية العالم المتحضر. وعلى كلٍ فإن التحرك الانفصالي سيظل محكوما بجملة من العوامل التي تتحكم فيها قوى مختلفة وفقا لمصالح بينية لا يبدو حظ اليمن فيها منصفا على الاطلاق. الامر الذي يدفع ببعض المتشائمين من المراقبين الى تسمية ما يجري مجرد استباقا جنوبيا ذكيا في ماراثون الهروب العشوائي، من همهمة التشظي المتوقع الذي تسير اليه الأوضاع في اليمن، وما ستفضي اليه الاحوال المرافقة واللاحقة من صراعات دموية وويلات بين الكيانات الصغيرة المتناحرة التي ستنشأ عن ذلك الانفجار. المتابعة لمجريات هذه الانشطة تفيد بأن البدايات المبكرة كانت تقتصر على بعض المغتربين اليمنيين المتحدرين من المناطق الجنوبية، ولكن بمرور الوقت أصبح كل الجنوبيين تقريبا منخرطين في تلك الأنشطة، ثم تطور الحال ليشمل وعلى نحو متزايد انظمام أعدادا من الشماليين في الانشطة والفعاليات المطالبة بانفصال الجنوب عن الشمال، كما أخذت الوجوه الأميركية تسجل حضورا في تلك الفعاليات، ولايستبعد في أحوال كهذه أن تكون بعض المنظمات الأهلية في المجتمع الأميركي تراقب هذه الأنشطة وتوليها شيئا من العناية والاهتمام. ومع كل ما سبق في شأن تطور الأنشطة والفعاليات الانفصالية الا ان الملاحظ انها تسير بعجلة معطوبة بعلل!… هذا ما تكشف عنه بجلاء الكثير من المواقف والأحداث، وهو ما يشير بجلاء أيضا الى أن الحركة الانفصالية لا تمتلك في حقيقة الأمر مقومات النهوض بالشعارات التي ترفعها، أو انها بالأصح لاتستطيع التحليق بالمطالب المعلنة للوصول بها الى حيز التحقيق، وهناك من يزعم معرفته بالكوابح التي تحول دون وصول الحركة الى الغايات التي تتطلع اليها جماهير الانفصال المسحوقة التي تدفع كل يوم وعلى مدى سنوات خلت ثمنا باهضا من دمائها وأرواحها دون أن يلوح في أفق نضالها أي انفراج.
فإذا كانت الوحدة هي الثابت الباقي فان الظلم لا يعدو عن كونه مجرد متغير لا يقاس تأثيره أو أثره بعظمة الثابت، ولا يمكن لأمة أن تسمح لوضع طارئ عابر أن يقرر مصائرها بفرض التخلي عن أمانيها ومكتسباتها وثوابتها المقدسة. ان هذا المتغير، رغم وضاعته وبشاعته، الا ان وجوده يمثل في الحقيقة قاسما مشتركا لكل اليمنيين، وترتيبا عليه فان الظلم القابع على كاهل الشعب اليمني يغدو قضية ترقى من حيث التعقيد الى المستوى الحيوي الذي يتطلب أداء منظما، واعيا، هادفا ومخططا. بعبارة أخرى، لابد أن تكون مهمة الأداء منوطة بمنظومة سياسية، لا أقل، وشرط نجاحها مرهون بمدى التزامها بالثابت الوطني كهدف معظم لمرحلة تتأكد فيها متطلبات الانعتاق من الأوضاع الراهنة بمؤثراتها الداخلية والاقليمية والدولية، والى العمق الذي يتعين أن يتحقق عنده الحد المناسب من الانصهار اللازم لميلاد مجتمع موحد التوجه والرؤى يتشارك الجميع في صنع حاضره ومستقبله على قاعدة العدل والمساواة. الشعارات الانفصالية التي يرفعها البعض في اليمن، قد أدت وتؤدي الى نتائج عكسية تماما، ذلك ان نظام صنعاء يضع نفسه في مواجهتها كداع للتوحيد وحريص عليه، في الوقت الذي يمارس فيه عمليا أبشع صور التشطير، ليس في حق الجنوبيين فحسب ولكن في حق اليمن بأكملها، وما إمارة الحوثي، وهيئة المنطقة الوسطى، ومناطق نفوذ “القاعدة”، بالاضافة الى الحراك الجنوبي، إلا صورا جلية وواضحة لنتائج الممارسات الهوجاء واللامسؤولة لنظام صنعاء، مما يدل على عدم أهليته للبقاء والإستمرار، وإن الأطراف التي ترفع شعارات التمزيق انما هي في الحقيقة تمارس نفس الدور، وان اختلفت المبررات والنوايا، وهو دور سهل وغير مكلف، بل ربما يكون مجز بالنسبة للبعض حيث تزدهر التجارة في مزادات الأوطان ونحن نعرف بأن النظام الحاكم في اليمن يعد واحداً من أكبر المرابين في هذا السوق على صعيد العالم. المنجزات والأماني الكبيرة لاتأت بدون ثمن، والجميع يعرف نوع الثمن وقدره، وأعتقد جازما بأن الآلاف من اليمنيين على استعداد لأن يدفع الثمن المطلوب لداعي الوطن، بل انني أعتقد بأن لا أحد يهرب أو يتهرب من هذا الاستحقاق، ولكن الأمر يتطلب، كما أسلفت، أداء سياسيا ملتزما، ليس أقل.
اننا لا نعيب على أحد التفكير في عمومية الشأن اليمني أيا كانت منطلقات هذا التفكير، ولا ننتقص من حق أحد في التعبير عما يراه ويعتقده صوابا، ولكنا نرى بنفس القدر بأنه ليس من حق أحد أو طرف أن يدعي تفرده في تمثيل وطن والتعبير عن مصالحه بمعزل عن الآخر أو الآخرين على غرار ما يمارسه نظام الحكم الفاسد في اليمن، ومن هذا المنطلق فاننا ندعوا الى مناقشة الموضوع برؤية منفتحة تضع في الاعتبار كافة الاحتمالات والتصورات في وضع تتكافئ فيه المسافات، وبالقدر الذي يمكن الجميع من بلورة جملة من الأفكار التي تصلح بالتراضي لتكون قواسم مشتركة لجهد مشترك يصب في خدمة أهداف مشتركة، غايتها تحقيق أكبر قدر من المصالح الوطنية لليمن واليمنيين. ومن أجل هذه الغاية، فاننا كمغتربين يمنيين، في ولاية ميشيغن تحديدا، بحاجة الى اقامة نقاش موضوعي، حريص ومسؤول، حول مختلف قضايانا الوطنية بتجرد عن اية مؤثرات أو أحكام مسبقة، وللحديث بقية..
Leave a Reply