المراسيم الرئاسية والملكية والأميرية في عالمنا العربي أقوى من القانون، تتفوق على القضاء وسلطة الأجهزة الامنية، تجلى ذلك في مرسوم رئاسي أصدره مؤخرا رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أعفى بموجبه رئيس ديوانه الدكتور رفيق الحسيني من كافة مناصبه، على خلفية فضيحة جنسية الحسيني بطلها، كانت القناة العاشرة في التلفزيون الاسرائيلي كشفتها، بأن بثت شريط فيديو يظهر فيه الحسيني في أوضاع مخله بالآداب، بصحبة إمرأتين فوق سن الخمسين في شقة، قيل ان واحدة منهن كانت تقدمت بطلب وظيفة في ديوان الرئاسة الفلسطيني، فارغمها رئيس الديوان على دفع ثمن الوظيفة من شرفها وسمعتها.
تضمن المرسوم أمرا الى جهازي المخابرات العامة والأمن الوقائي في السلطة الفلسطينية، بتدمير واحراق آلاف أشرطة الفيديو والسيديهات التي يحتفظ بها الجهازان، والتي جل ما تحويه فضائح تتعلق بالفساد والرشاوى والجنس والمحسوبية كان ارتكبها بعض من كبار المسؤولين في رام الله.
يبدو ان عباس بإصداره هذا المرسوم أراد أن يظهر للشعب الفلسطيني بعد انكشاف الفضيحة أنه لا يسكت على فساد، مهما كان شأن مرتكبه، وأنه الأقوى في الضفة الغربية، بدليل اصداره أمرا للمخابرات والأمن الوقائي بتدمير ما بحوزتها من أدلة على الفساد والمفسدين، وفي ذلك “استغفال” لعقول الفلسطينيين وإدراكهم، فليس معنى اخفاء أدلة الجريمة، ان الجريمة قد اختفت، وكان الأجدى به إحالة الاشرطة والأقراص المدمجة الى لجنة قضائية مختصة لتفريغ محتواها والوقوف على جوانب فساد ارتكبها مسؤولون للتحقيق معهم ومقاضاتهم وفي ذلك قصاص لأولي الألباب، ذلك ما يفترض ان يجري في ديمقراطيات حديثة، وذلك ما اعتاد الناس على سماعه حين يخطئ مسؤولون أو يرتكبوا خطايا في أميركا وايطاليا وبريطانيا وحتى اسرائيل. فرئيس الوزارء الاسرائيلي السابق ايهود اولمرت خرج من منصبه على وقع رشوة تلقاها من رجل أعمال اميركي لم تتجاوز مئة الف دولار، وكانت الشرطة استدعته عدة مرات للتحقيق معه في هذه المسألة، والرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون أرغمه الكونغرس على تقديم اعتذار والاعتراف بخطيئته أمام الملأ، على اقامته علاقة غرامية من موظفة في مكتبه، إبان كان رئيسا لأعظم دولة في التاريخ. ثم أن رئيس السلطة كان عليه أن يحاسب الجهة المسؤولة عن توصيل شريط الحسيني الى القناة الاسرائيلية، فهي بالتأكيد إما المخابرات أو الأمن الوقائي، لكن ما منعه من المحاسبة هو ان هذين الجهازين يأتمران بأمر الرئيس الفلسطيني، فما كان بوسعهما وضع كاميرات والتقاط صور لكبار المسؤولين، تظهر فضائحهم وخطاياهم إلا بأمره وموافقته، والهدف من وراء ذلك سياسي، يريد عباس ان يحكم كبار المسؤولين بالحديد والنار، لئلا يأتي يوم يخالفونه الرأي أو ينقلبوا عليه، مثلما فعل هو بياسر عرفات. أراد الاحتفاظ لهم بهذه الا شرطة الفضائحية “ليتغدى بهم قبل ان يتعشوا به” كان يود لو تظل تلك الاشرطة محفوظة في علبها الهدف منها الابتزاز السياسي، لكن حين انكشف واحد منها، أمر الرئيس بتدميرها بعد ان اكتشف ان فضائح معاونيه تسحب من رصيده السياسي.
Leave a Reply