..صمت “دلوع أمه” دهراً، ثم نطق بلسان أبيه بطل مجازر السبت الأسود والكرنتينا والنبعة وبرج حمود والصفرا وحصار بيروت مع إسرائيل ثم مجازر “صبرا وشاتيلا”، التي ارتكبت على نيته، وغيرها مما لا يمكن ذكره كله في هذه العجالة.
لقد كنا ننتظر، بفارغ الصبر، تصريحاً لهذا الولد نديم بشير الجميل الذي حمل “مشعل” النيابة من تلك التي تحب الحياة والبونبون، والتي كان إنجازها الوحيد أنها كانت طاهية أرييل شارون المفضلة كما روى هو في مذكراته! تاريخ عائلي مشرف ومشرق فعلاً! إنتظرنا لنعرف طبيعة هذه “العبقرية السياسية” التي إبتدعتها “العائلة المالكة” لخراب “شبه الوطن” حين جعلته، مع عتاة الكيانية، صنماً من تمروعندما جاعوا أكلوه، فوجدنا أن هذه “العبقرية” تنتقل بالوراثة من فاشي إلى آخروبالتالي هذا الغلام لم يشذ عن الخط المرسوم له رغم أنه جيئ به من الخليج على عجل، حيث كان يعمل معززاً مكرما ًهناك (بعكس حال باقي أبناء العائلات اللبنانية الكادحة التي تعاني الأمرين)، ولم يكن له عهد بالسياسة لا من قريب أومن بعيد. لكنه أثبت أنه إبن أبيه (والسبع تنعام!).
فقد طالب “سقامة” النائب نديم الجميل رئيس الجمهورية ميشال سليمان عدم إعطاء شهادات حسن سلوك لأحد. وقال أحد أكبر جهابذة الفكر في حديث لمحطة “المستقبل” “يريدون تكسير الدولة، يريدون (أي ٨ آذار وحلفاء سوريا وايران) تعطيل دور قوى الأمن ودور الجيش الذي هو معطّل ودور رئاسة الجمهورية ليصبح الأمر أهين لأكل لبنان والسيطرة عليه”. كان على عم هذا الغلام الفهيم أن يفسرله لو أن قوى “٨ آذار” أرادت السيطرة على لبنان لانتهى الأمر في “٧ ايار” ولما متعنا نظرنا بهكذا تحف سياسية في برلمان أولاد آخر زمن. إلا أن أخطر ما جاء في “تصريح” نائب الشعب إعتباره “انّ الأفرقاء السياسيين يناقشون على طاولة الحوار مسألة السلاح لا الإستراتجية الدفاعية ورئيس الجمهورية لا يحقّ له أن يقول أنّه يريد أن يدافع عن المقاومة ويزايد عليها، رئيس الجمهورية يعلم أنّ هناك خلافاً حول السلاح… لماذا يريد الدفاع عن المقاومة برموشه؟ المقاومة سبب الخطرعلى لبنان واللبنانيين”.
المثل يقول خذوا أفكارهم من أفواه صغارهم وهذا المدلل يرى أن أي توتّر مع اسرائيل “سيبدأ من الداخل وليس من اسرائيل”. فمقاومة أبيه التي أسستها إسرائيل وتعهدتها بالرعاية والتدريب والتمرين والتمويل حتى منذ١٩٥٠ (أي بعد نشوء الكيان بقليل)، هي المقاومة التي رفعت إسم لبنان عالياً وأعادت الشرف والكرامة لشعبه ولأرضه المستباحة ولم تتمرغ بأوحال الطائفية والعنصرية الدينية والفكرية المتصهينة. هذا الذي تربى على أن إسرائيل هي الصديق والحليف وأن العرب والعروبة هما سبب دمار لبنان (وهل هناك أفضل من “مربي” كوالده؟) يطالب بدم الرئيس الشهيد رفيق الحريري؟ هذه أسوأ مطالبة مزيفة في التاريخ لا تضاهيها إلامسألة “قميص عثمان”! فعلاً من شب على الخيانة شاب عليها! وكلام حق يراد به باطل. هوتبرئة دوماً لإسرائيل كما فعل خليفة بروس لي، أمين تيار “بشيرٌ حيةٌ فينا” عندما “تنبأ” بعدوان إسرائيلي وشيك على لبنان بذريعة وجود المقاومة مما جعل حتى الإسرائيليين يستغربون وينفون(مثلما تنبأ بموعد محدد لإطاحة الرئيس السابق العماد أميل لحود!) .
هذا التصريح السياسي لنديم الجميل ليس عبثياً لأنه يأتي في غضون العملية الأمنية للجيش اللبناني في منطقة “عيون أرغش” الواقعة بين عيناتا الأرز وبشري ضد مسلحين حاولوا قتل عائلة مدنية، مؤلفة من أفراد عزل، كانت تتنزه في المنطقة بإطلاق الرصاص والقنابل عليها الأمر الذي كان سيؤدي إلى كارثة وإلى ردة فعل ثأرية طائفية من المنطقة المجاورة لولا عقلاء تلك المنطقة! ولو علمنا سبب أن منطقة “عيون أرغش” هي مقاطعة “حكر” على “القوات اللبنانية” وأن المخدرات والأسلحة التي صادرها الجيش مدموغة بالعبرية وتتضمن نواظير ليلية (لما تستخدم يا ترى؟)، لبطل العجب! والأخطر في هذا الموضوع الحساس أن هذه المنطقة، حسب تلفزيون “الجديد”، شهدت أكثر من عملية إنزال أومحاولات إنزال إسرائيلي أثناء العدوان الغاشم في تموز ٢٠٠٦، كما أن الطلعات الجوية الاسرائيلية لا تتوقف عن التحليق فوق سمائها. أي أن عيون إسرائيل مسمرة على “عيون أرغش”، لماذا؟
لقد تزامن كلام الجميل الصغير وحادثة “عيون أرغش” مع كلام مشابه في مضمونه السياسي والأمني والمذهبي أطلقه المدعو “طالح” القرعاوي مستخدماً لغة تفصيلية داخلية استخدمتها جوقة “١٤ آذار” وأثبتت عدم جدواها، لكنه ملفت في إستخدام أدوات التحريض المذهبي وإستحضار “٧ ايار”. كما أن خطورة إظهار” القرعاوي (المتطاول على أسياده) بنسخته الجديدة أنه يتقاطع مع المناخ التحريضي المتعلق بتسريبات المحكمة الدولية التي هربها السنيورة من الإجماع الوطني أيام حكومته غير الشرعية. لاحظوا كيف أنه كلما أصيبت إسرائيل بانكشاف تجسسي جديد، يبدأ فحيح المذهبية ويأتي الرد من الداخل. فقد بات معروفاً أن إسرائيل غيرقادرة على تحقيق نصرعسكري على لبنان أو فرض السلام بشروطها لذلك فالبديل هو تسعيرالفتنة الداخلية طالما أن توازن الرعب موجود.
واقعياً لا نتوقع من حكومة “التفرقة الوطنية” (والإنكشاف الأمني والغذائي والصحي) ورئيسها “الفعلي” فؤاد السنيورة بطل الإتفاقية الأمنية مع “السفارة في العمارة”، التي نكتشف بنودها الخفية كل يوم والتي جعلت من أشرف ريفي بطلاً مذهبياً في لافتات طرابلس (على أساس أن أي إعتداء على كرامة موظف هو إعتداء على الطائفة بأكملها مهما فعل هذا الموظف) لا نتوقع منها أن تغير عادتها وتنجز شيئاً من قبيل التحقيق في تورط “القوات” صاحبة “التاريخ الناصع والعريق” في التحالف مع إسرائيل خصوصاً أن وزارة العدل في جيبها! لذا فإن مطالبة وئام وهاب بإستجواب سمير جعجع لن تلقى آذاناً صاغية. والحق يقال أن وهاب صاحب الكلام الوطني اللهاب ينسب له الفضل في أنه أول من سرب معلومة تسلح “القوات” منذ أكثر من ستة شهور مما إستدعى غضبها، فرفعت دعوى قانونية ضده. أما اليوم، فماذا تقول “القوات” بعد إطلاق النار السياسية على المقاومة من أحد غلمانها، وإطلاق الرصاص الفعلي في منطقة “قواتية محرمة” قد تكون تابعة سيادياً لإسرائيل؟ ومتى تصحو المعارضة السابقة، النائمة في سباتٍ عميق، على صوت رصاص “عيون أرغش”؟ لقد ردت “القوات” على الحادثة بعذرٍ أقبح من ذنب حين زعمت أن مطلقي النارهم نواطير يحرسون المقاهي (في بدء إفتتاح موسم الإصطياف) وظنوا أن المتنزهين كانوا لصوصاً سبق وقاموا بالسرقة في المنطقة المحرمة! طبعاً فاللصوص المزعومون جاؤوا بمعية زوجاتهم وأطفالهم وجلسوا الساعات الطوال لشرب الأركيلة بقصد سرقة المخدرات والأسلحة الإسرائيلية!
إذاً، بق نديم “البحصة القواتية” (كأننا لم نختبر بعد ماهية الجنس العاطل، كما قال وليد جنبلاط): الخطر الفعلي على لبنان هو المقاومة وليست إسرائيل وربما لهذا السبب تتسلح “القوات” بمساعدة من حليف الأمس الجديد. هذه الحقيقة هي برسم سعد الحريري، فهل يرضى أن يزج إسم والده الشهيد مع نفس هذه الفئة المتلونة التي جمدها ونفاها، رحمه الله، في حياته وهل ينظر ملياً إلى فضيحة “عيون أرغش” بعيون صافية صحيحة أم بعيون “عمشاء فيها قذى”؟
Leave a Reply