هذا أحد العناوين الجاذبة والمنتشرة (والمستهلكة أيضاً) في الصحافة. ومع أنه يطالب القرّاء صراحة بعدم قراءة المقالة، إلا أن متصفحي الجرائد والمجلات، وحتى القراء المحترفين، يقبلون ويتحمسون لقراءة الأخبار والمواد الصحفية التي تأتي تحته (العنوان)، ليس بسبب رغبة القراء بالمشاكسة والمخالفة، بل لخبرتهم ومعرفتهم بأن المضمون سيكون غريباً أو صادماً أو مؤلماً أو ساخراً.
لا تقرأ هذا الخبر..عنوان يصلح لخبر صحفي يمكن أن يتضمن معلومة من قبيل الكشف عن وجود كتاب مجلد باللحم البشري، بدلاً من الورق المقوى، أو القماش المذهب، أو جلد الغزال. ولا يهم في هذه الحال حقيقة أن مئات الكتب أطاحت برقاب مؤلفيها اغتيالاً أو قتلاً أو رجماً، أو إعدامهم بمقتضى القانون، أو زجهم في السجون، أو تشريدهم، أو التنكيل بهم.
لا تقرأ هذا الخبر.. صحفية فرنسية ترتدي برقعاً على خلفية الجدل السياسي والثقافي حول النقاب في فرنسا، بقصد القيام بتجربة مثيرة والاستفادة منها في تأليف كتاب وتسويقه بالشكل التجاري، الذي يعرف كيف يستفيد من المزاج العام. وسيحمل الكتاب عنوان “حجاب في شهر حزيران”، وسترد فيه العبارة التالية: “كنت مثل سمكة في ماء مغلي، وشعرت كأنني معاقة لأنني لا أرى بشكل جيد”. الباقي يمكن التنبؤ به.
لا تقرأ هذا الخبر.. أعلن الموقع الرسمي لنادي ريال مدريد الاسباني بأن مهاجم الفريق الأشهر البرازيلي رونالدو سوف يغيب عن الملاعب لمدة لا تقل عن شهر من أجل النقاهة بعد إصابته الكبيرة في كاحله الأيسر. ومتوقع أن يتملك الغضب الكثيرين من القراء العرب الذين سيستفزهم هذا الخبر، لأنه ليس دسماً كفاية. وسيبررون استياءهم ونقمتهم على ناشر الخبر، بدعوى أن المئات من العراقيين والفلسطينيين يسقطون كل يوم. والحقيقة أن عباس أخو دباس، فلا تسألوا “شو دخل عباس بدباس” وأفضل ما يصف قضايا الأمة والمشاعر القومية.. بأنها صارت خلطبيطة.
لا تقرأ هذا الخبر.. السفارة الإسرائيلية في القاهرة تبحث بسرية تامة عن شخص يتبرع بكليته مقابل مليون جنيه مصري (للسفير الإسرائيلي شالوم كوهين). نشرت السفارة هذا الخبر في جريدة إعلانية شهيرة تطلب فيه متبرعاً بالكلية لرجل أعمال ثري دون الإفصاح عن شخصية السفير الإسرائيلي. والسبب معروف بالطبع ولا داعي لشرحه، لأنه ينتمي إلى قائمة الأسباب الوطنية التي لا تحتاج الى تفسير. أما السبب الذي يجب أن يثير ذعرنا فهو لماذا يتبرع شخص (فقير بالطبع) بكليته مقابل مليون جنيه (لرجل ثري بالطبع)، مع المفارقة أن “التبرع” ليس هو الوصف المناسب. الجواب.. أن البشر صاروا مجرد بضائع منذ وقت طويل.
لا تقرأ هذا الخبر.. أعلنت قناة الجزيرة قبل قليل أن مخلوقاً غريباً أعور، قد ظهر في بلاد خراسان وهو الآن متواجد في منطقة ريفية وأن جميع سكانها لاذوا بالفرار الى المرتفعات. وأكدت المصادر الموثوقة أنه من المحتمل أن يكون ذلك المخلوق هو.. المسيح الدجال (..) وحث العلماء جميع المسلمين على الإسراع بالاستغفار والتوبة قبل فوات الأوان. وقال خبير أميركي من وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) بأنهم لاحظوا وجود هذا المخلوق الغريب، وأنهم سيعرضون الصور بعد 24 ساعة من الآن على جميع وسائل الإعلام. وفي نهاية الخبر يعترف محرره بأن ما كتبه ليس حقيقياً لكنه سيحدث كما أخبرنا النبي (ص) في حديث علامات الساعة. وواضح أن هذا النوع من “التذكير” وبهذه الطريقة، هو نوع من الدجل، ولا نعرف فيما إذا كان محرر الخبر أعور أم لا..
لا تقرأ هذا الخبر.. وكان الأنسب أن يكون لا تنظر إلى هذه الصورة. والصورة تظهر محلاً يضع لافتات عن استعداد صاحبه لتقديم خدمات تصوير الوثائق والمستندات، وتجليد دفاتر السواقة والدفاتر العسكرية، والتصوير الفوتوغرافي. والعبارة موضوع التعليق تقول “حلاقة ذقن على الكمبيوتر”. لا تعليق. مع أن هذا الخبر يستحق قراءة لغوية وثقافية واجتماعية.
وهكذا.. يمكن استجرار القارئ إلى قراءة أخبار غريبة وصادمة، أو تافهة وسخيفة، أو عادية وشائعة، أو متخيلة ومريضة.. ألخ.
وبالمناسبة، هذه أول مرة استخدم فيها عبارة “لا تقرأ هذا الخبر” كعنوان، وقد خطر في ذهني مباشرة عند إعداد خبر لنشره في الجريدة. ويقول الخبر: “إن مجلس مدينة ديربورن سيسمح لمواطني المدينة بالاطلاع في يوم معين على وثائق سرية خاصة بالمدينة، بشرط أن يبرز الراغبون أوراقهم التي تثبت سكنهم في المدينة، وعلى ألا يتجاوز كمية الوثائق أكثر من 50 باوندا للشخص الواحد، أو ما مقداره خمسة صناديق من الأوراق”.
ومن غير المنتظر أن يذهب العرب الأميركيون للاطلاع على تلك الوثائق لأنه “إي.. نحنا فاضيين نروح نقرأ وثائق سرية؟”، بمن فيهم الطامحون فينا لمناصب بلدية أو المرشحين لعضوية الكونغرس الأميركي في وجه جون دينغل، مع أننا من أكثر الناس الذين يؤمنون بأن الكواليس والأسرار والمؤمرات هي التي تصنع حياتنا وتاريخنا.
ويحدثونك.. عن العرب الأميركيين!
Leave a Reply