آن آربر – خاص “صدى الوطن”
للمرة الأولى، يقوم الباحثون بالربط بين مشاكل الصحة النفسية لدى العرب والمسلمين الأميركيين وبين التحيز والتمييز ضدهم عقب اعتداءات 11 ايلول الإرهابية.
ويقول الباحثون إن الدراسة التي أجروها تعتبر التحري الأول المستند إلى قاعدة تمثيلية وشعبية عن الصحة والتأثيرات النفسية لأحداث “11 أيلول” على العرب والمسلمين القاطنين في الولايات المتحدة.
ونشرت الدراسة في مطبوعة “أميركان جورنال” للصحة العامة في 17 كانون الأول (ديسمبر) من العام 2009. ووجد باحثون من “جامعة ميشيغن” بأن ربع سكان منطقة ديترويت من العرب الأميركيين أبلغوا عن انتهاكات شخصية وعائلية تعرضوا اليها بسبب العرق، الإثنية أو الدين عقب اعتداءات 11 أيلول 2001، مما أدى الى حصول العدد الأعلى من العوارض الصحية في أوساطهم.
وأبلغ المسلمون العرب ايضا عن معدلات أعلى من اساءة معاملاتهم مقارنة بنظرائهم من المسيحيين العرب، وفق ما يقول المؤلف البارز والأكاديمي العيادي في “مؤسسة جونسون” التابعة لدائرة الطب العام في “جامعة ميشيغن” والأستاذ العيادي في قسم طب الطوارئ في الجامعة عاصم باديلا.
واستخدم باديلا مع زميلته المؤلفة الدكتورة ميشيل هايسلر، الأستاذة المساعدة للطب الداخلي في جامعة ميشيغن، معلومات استحصلا عليها من استطلاعات شخصية لعرب أميركيين أجريت في العام 2003.
وشكلت الدراسة التي أجريت على العرب الأميركيين في منطقة ديترويت رديفا لاستطلاع أجري في منطقة ديترويت عام 2003، عبر استخدام عينة تمثيلية اختيرت من منطقة المقاطعات الثلاث التي تشكل منطقة ديترويت وضواحيها وعينة أخرى أكثر شمولا أجريت على العرب الأميركيين في المنطقة ذاتها. واحتوت البيانات المسجلة على معلومات أجاب بها من شملهم الاستطلاع عن آرائهم في تجاربهم منذ اعتداءات 11 أيلول 2001 على مركز التجارة العالمي ومبنى البنتاغون، وعن الثقة الاجتماعية، والثقة بالمؤسسات وعلاقات التفاعل الثقافي والحاضرة الاجتماعية المحلية والروابط مع المجتمعات العابرة للوطنية وخصائص المجيبين والحاجات المجتمعية.
وقد شملت الدراسة الممولة من “مؤسسة راسل سايج” والتي أجراها باحثون من “جامعة ميشيغن” استطلاع آراء 1016 عربيا أميركيا. وكان المعدل العمري للمشمولين بالاستطلاع 43,6 سنة. وكانت نسبة 45 بالمئة من هؤلاء من الإناث و58 بالمئة كانوا من المسيحيين ومعظمهم عاش في الولايات المتحدة لأكثر من 10 سنوات (81 بالمئة) وكانوا يتمتعون بتأمين صحي (83 بالمئة) وكانوا من المتزوجين (71 بالمئة).
وتعرضت الدراسة الاساسية للانتقاد من قبل البعض الذين لم يرَ فيها تمثيلا حقيقيا للجاليات العربية والمسلمة في أعقاب اعتداءات 11 أيلول.
ونسبت الدراسة الى عرب ومسلمين اميركيين تمتعهم بثقة اكبر بوكالات تنفيذ القانون مقارنة مع غيرهم من غير العرب المشمولين بالدراسة، وهذا ما اعتبر بعيد الاحتمال في خضم الهيستيريا المناهضة للعرب والمسلمين التي سيطرت في تلك الفترة.
ولأن حرية المشاركة في الاستطلاع تُركت للمشمولين به، ساد شعور عام بأن الامتناع عن الإجابة لدى بعضهم قد حرّف تلك النتائج.
غير أن باديلا يقول ان الدراسة الاساسية استقطبت معدل 73 بالمئة من المشاركة، مما يجعلها عالية جدا بما لا يسمح بالاستنتاج أنه جرى تحريفها. ويضيف باديلا قائلا إنه لو جرى تحليل أوسع فإن عوامل سببية أخرى كان يمكن تحديدها.
وأظهرت الدراسة أن معظم المشمولين بالعينة الدراسية كانوا قد أقاموا في الولايات المتحدة لأكثر من 10 سنوات، وأن النتائج حول وجود ثقة أكبر قد يكون على صلة بأشخاص يشعرون براحة أكثر في الولايات المتحدة، مقارنة بنظرائهم من المهاجرين الجدد.
وفيما تتفاوت التقديرات حول حجم الجاليات المسلمة الأميركية إلا أن معدلها لا يقل عن 5,4 مليون شخص يتوزعون بالتساوي بين أفارقة أميركيين وجنوب آسيويين وعرب.
وإلى جانب هؤلاء يقيم ما يصل الى مليونين ونصف المليون من العرب غير المسلمين في الولايات المتحدة.
وقد ازداد حجم التعصب والتمييز والعنف ضد المسلمين والعرب منذ اعتداءات 11 أيلول. وافاد مكتب التحقيقات الفدرالي عن زيادة في نسبة جرائم الكراهية ضد هذه المجموعات السكانية بلغت 1600 بالمئة في السنة التي أعقبت اعتداءات 11 أيلول.
وبصورة مشابهة أظهرت الدراسة المرتكزة الى استطلاع شعبي حول الشرق أوسطيين البالغين المتحدثين باللغة العربية في الولايات المتحدة أن 30 بالمئة تقريبا من العرب و50 بالمئة من المسلمين أبلغوا عن تمييز تعرضوا اليه في الأشهر الثمانية التي أعقبت اعتداءات 11 أيلول. وتعرضت مساجد ومصالح تجارية مملوكة من مسلمين الى التخريب، وتعرض أفراد ذوو مظاهر مسلمة الى اهانات شفهية واعتداءات جسدية، وفي بعض الحالات، تعرضوا للقتل.
ومع أحدث موجة من الاعتقالات التي طالت قبل أسابيع قليلة عناصر مسيحية متطرفة من الميليشيا في ميشيغن وأوهايو وأنديانا، يستمر مسلسل الكراهية وفي كل اسبوع نشهد حصول حوادث معادية للمسلمين.
ومن جهتها استهدفت السياسات الحكومية الأميركية أيضا عربا ومسلمين ومنظمات تابعة لجالياتهم. فقد تعرضت منظمات مدنية ودينية للمداهمة على أيدي عناصر مكتب التحقيقات الفدرالي، وجرى تجميد أرصدة منظمات خيرية اسلامية وتعرض مسلمون وعرب للفرز العرقي في المطارات والشوارع.
واسهمت الحر ب التي تخوضها الولايات المتحدة في كل من افغانستان والعراق في تعميق الفرز في البيئة الاجتماعية، ومن شأن هذه الحرب أن تؤدي الى الازدياد في التوتر بين عموم السكان في الولايات المتحدة وأولئك المنحدرين من أصول افغانية وعراقية ممن يقيمون على الاراضي الأميركية بالإضافة الى الضغط النفسي المتزايد في صفوف العراقيين والأفغان المقيمين في الولايات المتحدة.
ويقول باديلا إن أولئك الذين أبلغوا عن انتهاكات طالتهم أظهروا قدرا أعلى من احتمالية اصابتهم باضطرابات نفسية ومستويات أدنى من السعادة، وإدراك أقل لأوضاعهم الصحية.
وما يبعث على القلق بالنسبة لنتائج الدراسة هو أن شريحة كبيرة من سكان منطقة ديترويت الكبرى يعيشون ضمن جالية عربية كبيرة وراسخة وحيث يسود انطباع عام لديهم بأنهم محميون من التعرض للاساءات.
ويوضح باديلا أن الربط السلبي للعرب والمسلمين الأميركيين بتداعيات هجمات 11 أيلول أو التمييز الذي يتعرضون له قد يكون أكثر سوءا في مناطق لديها كثافة سكانية عربية أقل في الولايات المتحدة.
ثمة تقديرات بوجود 490 الف عربي في ولاية ميشيغن وأكثر من 80 بالمئة من هؤلاء يقطنون في المقاطعات الثلاث الكبرى التي تشكل ضواحي مدينة ديترويت وهي وين وماكومب وأوكلاند.
ويعتبر العرب الجالية الاثنية الثالثة من حيث الحجم في ولاية ميشيغن، ويعود تاريخهم إلى أجيال متعددة. وتعد الجالية العربية في ميشيغن التجمع السكاني الأعرض للعرب خارج منطقة الشرق الأوسط.
وما يثير الاهتمام في التأثيرات الصحية الناجمة عن اساءات وتمييز موجهين للعرب والمسلمين هو ما يقوله باديلا عندما يسأل عن السببب الذي حفزه للقيام بهذا العمل: هنالك القليل من الجهد المبذول حول هذه القضية، لكننا نعرف من تجمعات سكانية أخرى (مثل الأفارقة الأميركيين) بأن التمييز العنصري والاثني له تأثيرات على الصحة.
ويعبر باديلا عن تفاجئه بعدم وجود تأثيرات تفاضلية على المسلمين، ويشرح باديلا قائلا: “عندما يتعرض الناس للاساءة و/أو التمييز فإن التأثيرات الصحية تكون متشابهة لدى المسلمين وغير المسلمين. ويمكن للمرء أن يفكر بأن المسلمين قد يكون لديهم تأثيرات صحية أكثر سوءا بسبب أن مشاعر العداء للمسلمين كانت أقوى، لكن المسألة لم تكن كذلك”.
ويمكن للتمييز العنصري والاثني أن يرتب تأثيرات بعيدة الأمد والعديد ممن تعرضوا للاساءة والتمييز قد لا يسعون وراء العناية الملائمة، وفق ما يقول باديلا. ويضيف “إن البعض قد يخشون التعرض للتمييز العرقي والاثني من المشرفين على الرعاية الصحية أنفسهم”.
أما آخرون فقد يخشون من “إثم” إقرارهم بالمشكلة النفسية التي يعانون منها، وهذا ما تسهم الثقافة التي لم تعترف تاريخيا بالمرض النفسي في جعله أسوأ.
ما هي العبرة المستخلصة من هذه الدراسة؟
يجيب باديلا عن هذا السؤال بالقول: “نحن بحاجة إلى إجراء فحوصات أفضل لهذه الحالات. ويحتاج المشرفون على رعاية المسلمين والعرب إلى أن يسألوا مرضاهم عن وجود الاضطرابات النفسية لديهم وفيما اذا كانوا يشعرون بأنهم تعرضوا للتمييز و/أو الاساءة. فعندما ندقق أكثر يمكننا أن نقترح استراتيجيات للتعامل مع المشاكل ويمكننا التحدث عنها”. ويضيف “نحتاج إلى الشراكة بين المنظمات العربية والمسلمة والأنظمة الصحية لمواجهة هذه البيئة الاجتماعية من التمييز والاساءة”.
ويقول باديلا إن الاضطرابات النفسية المتروكة بدون علاج تقود الشخص الى ممارسة عادات سيئة مثل التدخين وتعاطي الكحول وممارسات أخرى غير صحية. وتتحول المشكلة الى حلقة مفرغة. ويضيف: “قد نفقد التواصل مع مروحة واسعة من الناس الأكثر تأثرا بالاضطرابات النفسية”. ويختم باديلا بالقول: “نحن نعرف أن جرائم الكراهية الموجهة ضد العرب والمسلمين لاتزال أعلى مما كانت عليه قبل هجمات 11 أيلول وبعد سنوات عديدة على تلك الهجمات اعتقدنا أن هذه الجرائم انتهت، لكن الحقيقة تفيد بأنها ليست فقط لاتزال قائمة، بل إن لها نتائج صحية سلبية ونحن لا نفعل أي شيء حيالها”.
تم تمويل الدراسة بدعم من برنامج الباحثين العياديين في مؤسسة “روبرت وود جونسون”.
Leave a Reply