الكل كانوا هناك… الطبقة السياسية اللبنانية بأكملها من رأسها إلى أخمص قدميها، من العدو إلى الصديق إلى المنافق و”البين بين”. كلهم تسابقوا ليصلوا إلى مجمع “البيال” وتهافتوا لحضور حفل عيد الجلاء الرابع والستين للجمهورية العربية السورية الذي أقامه السفير السوري علي عبد الكريم، ووقفوا في الصف طائعين صاغرين لتقديم التهاني الى “شقيقة” قال فيها فريق سياسي كان يمثل الأكثرية على مدى السنوات الخمس الماضية ما لم يقله مالك في الخمر.
حفل عيد الجلاء السوري كان بحق إعلان الوفاة الرسمية لما سمي ظلماً و(جورج) عدواناً بـ”ثورة الأرز” التي سماها ورعاها موظف “أبو الحذاء” دبليو بوش في الأمم المتحدة، جون بولتون، المغضوب عليه من معاونيه السابقين وأعضاء الكونغرس الذين لم يثبتوا تعيينه كمندوب لأميركا. هذا الموظف الفاشل المؤيد المتحمس لإسرائيل لم يمنع عضوي “مجلس قيادة الثورة” فارس سعيد وغازي يوسف من تقليده وسام الأرز برتبة فارس على خدماته الجلى لـ …إسرائيل! كم ستبقى هذه الفعلة الشائنة وصمة عار في تاريخ “شبه الوطن”؟.
لكن ما أبعد اليوم عن البارحة. “ثورة الأرز” هذه “إنطحنت” في حفل عيد الجلاء السوري لتصبح “ثورة الخبيز”! حتى “الصقر” مروان حمادة تحول إلى حمل وديع فسبق معلمه وليد جنبلاط (الذي إنتظر في الطابور كغيره ثم سرق الأضواء بعرضه الغرامي العلني مع عاصم قانصو) وأعضاء “اللقاء الديمقراطي” للوقوف في الصف الطويل منتظراً بصبر دوره لمصافحة السفير السوري الذي لم يقبّل في حياته هذا العدد الهائل من المتزلفين وبائعي المواقف.
أول وفد وصل للتهنئة كان وفد “الكتائب” جاء متلطياً يحلق تحت رادار الكاميرات والإعلام حتى لا ينكشف امره بعد التصاريح النارية للولدين النعومين سامي ونديم. هذا الأخير، بالمناسبة، كررانتقاده لعبارة حماية المقاومة برموش العينين (يظهرأنه معقد منذ الطفولة من الرموش)، حتى موقف أهالي العباسية البطولي بإزالة أسلاك إسرائيل الشائكة من أراضيهم لم يعجب نديم فأي مقاومة شعبية عفوية يجب أن تكون ممهورة خطياً بتوقيع الماما معوض وخليفة بروس لي وفتفت الذي، للمناسبة أيضاً، كان على رأس وفد “المستقبل” متجاهلاً كل اتهاماته وتعنته وطعناته وعنترياته السابقة ضد سوريا. للأسف، هذا حفل لم يتضمن توزيع “شاي مرجعيون” ذي الجودة السنيورية.
إلا أن حال وفد “القوات” كان مختلفاً عن حال “الكتائب” الخجول. جورج عدوان وإبراهيم نجار “جأرا” عينيهما أكثر وكادت أضراس العقل في فيهما تظهر من كثرة الإبتسام وكأنهما في حفل خطوبة. كل المستثمرين والشاحنين للعصب المذهبي والقبلي الطائفي الذين جيشوا الناس والشباب كوقود في معمعة فتنوية كادت تؤدي إلى حربٍ أهلية جديدة (ثم رفضوا تخفيض سن الإقتراع مكافأةً للجيل الصاعد) رفعوا رؤوسهم ورسموا ابتسامات عريضة، وشدّوا ربطات العنق، ووقفوا يصرّحون تحت أضواء الكاميرات بلا خجل أو وجل. ضيعان الخمس سنوات من السموم التي صبت على سوريا وأدت إلى حملةٍ عنصرية ضدها تسببت بقتل عمال سوريين على قاعدة إتهام سياسي بقتل الرئيس الشهيد رفيق الحريري أصدره “القاضي” المرتشي ديتليف ميليس بعد تركيب شهود زورمثل زهيرالصديق. “الشاهد” الكاذب هذا أعيد “استحضاره” مؤخراً عبر نفس البوابة الكويتية الإعلامية التي روجت منذ البداية لإتهام الضباط الأربعة مما أدى إلى سجنهم ٤ سنوات من دون دليل أو قرينة أوحتى إتهام. يظهر أن القوة التي تملك خيوط الدمية الصديق تستخدمه عند الحاجة بدليل أن أعلى سلطة في فرنسا سهلت له الهرب من وجه العدالة بعد أن إستعمل ممسحة أوساخ زمن الرئيس الفرنسي الفاسد جاك شيراك الذي إرتكب أكبر إهانة للدولة اللبنانية حين كان يزورالبلد خلسةً من دون حياء أو دستور مقاطعاً رئيس الجمهورية السابق العماد أميل لحود وخارقاً كل الأعراف والبروتوكول الدولي (أين كان أدعياء السيادة وحماة حمى هيبة رئاسة الجمهورية؟ ثم لماذا لم تستعاد كرامة لحود بعد أن هتك عرضه هؤلاء الأدعياء وأخرجوه عن دينه؟ سؤال برسم المعارضة السابقة وسوريا).
قد يطلع غداً أحد الحاذقين من أعداء سوريا السابقين والحربائيين الحاليين فيقول أن ما حصل في حفل عيد الجلاء عن سوريا ما هو إلا دليلاً على “المرونة” اللبنانية والطوعية السياسية، ثم أن حلم أنصار “الإستقلال” تحقق بعد تبادل السفارات بسبب “ثورة الملفوف” لا بسبب قرار سعودي بترميم العلاقات مع سوريا بعد أن رأينا “عرض كتاف” جورج بوش السيئ الذكر وخططه الفاشلة المرتدة إلى نحره. ليحلم هؤلاء ما شاؤوا لكنهم لن يتمكنوا من إخفاء حقيقة حقارتهم وتلونهم ونعقهم مع كل ناعق مهما سموا هذه الحقارة “شطارة” لبنانية. فالفضل في تبادل السفارات يعود إلى الرئيس بشار الأسد نفسه الذي كان أول من إقترح ذلك مع مراجعة كل الإتفاقيات المعقودة بين البلدين حالما تم سحب الجيش العربي السوري من لبنان. فسوريا ليس عندها عقدة “سيادة” مثل لبنان “الحديقة بلا سياج” ولا لديها سياسيين تبوأوا ًكياناً وزاولوا وطنا من منطلق مصالحهم الضيقة فقط! فكل هزل الكلام عن أنهم حضروا وعيدوا سوريا لأنه أضحى بين البلدين علاقات ندية بعد أن استشروا سابقاً ضد سوريا حتى الموت إلى درجة ظننا أنهم لن يبدلوا جلودهم أبداً، هو سياط على البلاط!
لقد تنعم سياسيو لبنان بالبرازق السورية (من دون حلوى السنيورة) فالتهموها على وقع أغاني فيروز المادحة للشام. تنذكر ما تنعاد يوم أمر “أحد الصقور” فيروز أن لا تغني في دمشق ويوم أمر “الماريشال” السابق وليد جنبلاط صغار “١٤ آذار” بعدم مصافحة زملائهم النواب من المعارضة السابقة المؤيدة لسوريا.. “عيش كتير بتشوف كتير”.
Leave a Reply