هو صاحب القدمين الذهبيتين، أسطورة الملاعب الخضراء. ولكنه عُرف أيضا بأنه صاحب “يد إلهية” بعد إحرازه لذلك الهدف المؤلم في شباك الفريق الإنكليزي في العام 1986. عرفتموه بالطبع.. ذلك الذي يدعى دييغو أرماندو مارادونا.
منذ سنوات، تغلب بعد منافسة ممضة على البرازيلي، الجوهرة السوداء، بيلليه، وحاز على لقب “لاعب القرن”. كثيرة هي الأشياء التي تجمع بين اللاعبيْن العملاقيْن، وكثيرة هي الأشياء التي تفرق بينهما: بيليه.. اللاعب الذي هجر أضواء الملاعب واختار بلاتوهات السياسة، لدرجة ترشحه لرئاسة بلاده البرازيل، ومارادونا.. الذي اختار المعارضة والمشاغبة السياسية في بلاده الأرجنتين. ليست مصادفة محاولته في أن يصبح ملاكماً، بعد حرمانه من ممارسة كرة القدم!.
عنيد وشرس ذلك اللاعب المربوع القامة الذي لم يهدأ عن مناوشة الجميع، في السياسة وفي الحياة العامة وفي كرة القدم. وهو إلى ذلك.. مادة دسمة لإعلام الفضائح وعناوين الجرائد.. هو الذي أراد لابنتيه أن تكونا الشاهدتين على زواجه من أمهما، متحدياً بذلك أدبيات الكنيسة. يدرب فريقاً من “فقراء” المدينة ليناهض “الامبريالية الوطنية” (والامبريالية العالمية)، فيثير غضب المسؤولين والمتنفذين. يتم إسعافه إلى المستشفى بعد تناوله جرعة زائدة من المخدرات، فتنخلع قلوب محبيه. يقاوم ببسالة محاولة “الديناصورات” الحثيثة بأساليبهم الممنهجة لتدمير صورته وتشويه سمعته. ولكنه ينجو.. وينجو. يغني له الأرجنتينيون في الشوارع، ويفخرون به. هو نفسه صاحب حس مرح، يحب الغناء والرقص والاحتفاليات، لكن جميع السياسيين الذين التقى بهم لا يفضلون رؤيتهم ثانية، لأنه يقول مالا يعجبهم، بما في ذلك أصدقاؤه وفي مقدمتهم الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز والكوبي فيديل كاسترو!
الآن، ثمة فرصة أخرى للتعرف على مارادونا، ليس في الملاعب، بل على شاشة السينما من خلال الفيلم الذي أخرجه الصربي أمير كوستاريكا وحمل اسم “مارادونا باي كوستاريكا”.
وفي هذا الفيلم يتمكن كوستاريكا، صاحب فيلم “الحياة معجزة” من الوصول إلى المناطق الشائكة والحساسة في شخصية مارادونا، بفيلم تسجيلي طويل، اجتماعي، سياسي، يتناول المفارقات التي نشأت بين صورة “الأسطورة الكروية” في مخيلة معجبيه حول العالم، ومارادونا الإنسان بأفكاره الخاصة التي تعكس شخصية موهوبة وحادة، ثورية وساخطة، وهو نفسه رب الأسرة الحنون ومدمن المخدرات..
ويتطرق الفيلم إلى الطفل مارادونا الذي نشأ في عائلة متواضعة وفقيرة، ولكنه بفضل موهبته وتصميمه أصبح واحداً من مشاهير العالم، من خلال حبه ومزاولته لكرة القدم التي تبدو للوهلة الأولى أنها مجرد لعبة للمتعة العابرة وتمرير الوقت.
أما مناسبة الحديث عن مارادونا، فهو هذه الحكمة: إذا فشلت في صنع معجزتك الخاصة وعجزت عن صنع مستقبلك بيديك، فجرب قدميك!
Leave a Reply