كلما اقترب عيد الأم، يزيد إحساسي باليتم والندم والحزن. وأنا أكتب الآن لا أطلب حكماً ولا عطفاً، بل أنشد راحة لنفسي عن شيء مضى منذ زمن بعيد، ومع ذلك لا يزال يؤرقني حتى العذاب وسوف يظل.
خلال طفولتي وشبابي، كانت علاقتي بأمي متعثرة ومتوترة. وبسبب ضعفي وعنادي وقصور في وعيي، وليس بسبب قلة في خلقي، تأخرت في أعدل علاقتي بها. ولا أعتقد أن ابناً أو ابنة عاملت أمها كما عاملتها طوال عمرها بعد تلك المرحلة.
كنت أتمنى لو ولدت في بيت لا خلافات فيه، لأن سنوات طفولتي التي عشتها في جو عالي التوتر بين أمي وأبي أدى إلى نشوء علاقة مضطربة في مرحلة مضطربة في قصة حزينة.
وكانت تلك السنوات، سبباً لأشعر بالتندم على سنوات الضياع والابتعاد عن أمي والشكوى والتذمر منها. وإذا ما كتبت وشكوتها ذات يوم، سوف يكون ذلك في معرض تعداد حسناتها ومدح شكيمتها.
لا أجد بين مخلوقات الأرض جميعا من يستحق مني أن أنحني له وأقبل يديه احتراما وشكرا أينما رأيته ماثلا أمامي مثل أمي، يقف العقل عاجزا بحق عن فهم ذلك المخلوق الانساني ذي الفطرة الشفافة والقدرة على العطاء والرحمة والتسامح. ولو استطاع كل واحد منا نحن اليتامى أن يقول شيئا لكل ابن وابنة، فلن يزيد عن نصحية صادقة بألا يضيّع فرصة ليتقرب من أمه، ست الحبايب، أمان الدنيا والآخرة وبركة الأيام، يقبل يديها وقدميها، يسمع ويستمتع بصوتها، يلقي برأسه على صدرها فيشعر بأمان لن يجده في حضن أي امرأة أخرى حتى ولو كانت حبيبته أو زوجته.
لكل أم، تقرحت عيناها وانكسر قلبها فقدا لابن ربّته بالدموع، وشاءت الأقدار أن يرحل قبلها إلى دار الخلود، فبكت عليه دما ودمعا، متنمية لو أخطأه الموت وأصابها هي، والى كل أم تعيش في غربتين، غربة عن الوطن وغربة الأبناء والبنات عنها أردد قول الشاعر كريم العراقي:
قبلة مني لتجاعيدك
على كتابك على ثيابك
سجادة صلاتك على اياديك
على شيبتك على جبينك
على النظارة القديمة
يا أمي
Leave a Reply