لا كرامة لمواطن في لبنان -الكيان الذي لم يتحول دولةً أو وطناً ولكن “شبه لهم”- حتى بعد.. الموت. فالإذلال والمرارة والإهمال يلحقونه إلى القبر لأن “وطن النجوم” تحول مصيدة للسموم والوجود المثلوم.
لا أعرف كيف تجدني هذه الأحبار مع أني لا أبحث عنها. سأحدثكم عن الشاب الياس شرفان الذي ذهب ضحية حادث سير مروع على طريق البترون (بسبب نظام المرور العصري جداً مثل قانون إنتخابات “فلنستونز” الحجرية). وكم من العائلات فجعت على طرقات و أوتوسترادات الموت السريع بسبب عدم وجود شبكة جسور وهندسة تخطيطية مدنية؟ شرفان لفظ أنفاسه في مستشفى البترون وهومازال في ربيع العمر إذ أنه كان يناهز الـ٢٧ سنة ووالد طفل في السادسة من عمره. أهل الضحية فوجئوا بأن عليهم دفع مبلغ مليون و١٠ آلاف ليرة لبنانية لإخراج ابنهم “وإلا لن تستلموا جثته”، وفق ما قيل لهم. وعليه، قام البعض، “وتحت تأثير صدمة وفاة الياس وقرار المستشفى بعدم تسليمهم جثته لدفنها، بالتكسير وإخراج الجثة عنوة”. الأهل المفجوعون مرتين، مرة بسبب موت فلذة كبدهم ومرة بسبب تمنع المستشفى عن تسليمه لعدم تسديد الفاتورة الباهظة، “هرّبوا” جثة ولدهم من أجل تشييعه في الكنيسة. ولكن جرى توقيف التشييع بعد إعتراض القوى الامنية للموكب ومنعه من المتابعة لمدة ثلاث ساعات على طريق المعاملتين. ولم يتم السماح بمتابعة التشييع إلا بعد “تشغيل الاتصالات على أعلى مستويات بدءاً من وزير الداخلية ومروراً بأشرف ريفي وصولاً إلى سعيد ميرزا الذي طلب “بالإفراج” عن الجثمان تمهيداً لإكمال آل شرفان عزاءهم ودفن ولدهم”. سبحان الله ما هذه الإنسانية والرحمة من القضاء اللبناني؟ جثة يلقى القبض عليها على الطريق في صبارة القيظ بسبب فاتورة؟ هذا أمرٌ جلل لا يحدث إلا في لبنان وجثمان شرفان على أي حال يرمز للنظام الطائفي السياسي اللبناني: جثة بلا دفن!
لا يمكننا أن نظن خيرا ًبمستشفى ما في لبنان. فهذه “المسالخ البشرية” مثلها مثل مافيا المدارس والإرساليات التجارية الخاصة، همها الربح السريع على حساب صحة الوطن والمواطن ومستقبلهما. أفي كلامنا هذا أي تجن؟ كم من حادثة مروعة لا تصدق حصلت على أبواب “مسالخ” لبنان؟ وكم من مواطن لقي حتفه لأن أهله لم يملكوا رسم الدخول أولأن روحه أرادت أن تغادرهذا القرف قبل أن يبيع أهله “ما فوقهم وتحتهم” من أجل العلاج؟
وبالأمس القريب فقط توفي الممثل كمال الحلولأن المستشفى رفضت تطبيبه قبل تسديد الثمن فسقط صريعاً بالسكتة القلبية. ما أرخص الإنسان في لبنان وما أبخس روح الفنان! حسن علاء الدين مات على المسرح معدماً مديوناً، شفيق حسن أنهى حياته ببيع السجائر على طريق الأوزاعي، أما الاسطورة الفنية اللبنانية إلى النجوم، أكرم الأحمر، فطوته سنين الغربة والتغرب هنا في أميركا بعيداً عن وطن لا أنفة ولا إحترام للمواهب والعبقرية فيه لعدم وجود دولة ونظام يحمي أبناءه من الضياع والنسيان والتشتت ولا يتذكرهم إلا في مواسم الإنتخابات النيابية التي لو خس رفيها، لا قدر الله، أعمدة الكيانية في “ثورة بولتون” من “الكتائب” و”القوات”، لتعرضت “العروبة” للخطرالماحق كما حذر يوماً بطرك العروبة ليومٍ واحد! ثم بعد ذلك، يحدثونك عن “هجرة الأدمغة”! هل تذكرون مهزلة الدواء الفاسد والقمح المعفن واللحوم والحلويات المسمومة؟ هل هناك زيادة لمستزيد عن سجل الحكومة الحافل بالإنجازات؟ أين الأمن الصحي والغذائي والتقاعدي ونهاية الخدمة وضمان الشيخوخة؟ كله في سبيل ملء جيوب النواب والوزراء وموظفي الفئة الأولى وأثرياء ألأربعة بالمئة ومن يقتاتون على فضلاتهم، يهون.
إنها ليست حكومة “التوحد” (autistic) فقط بل أيضاً إنفصام الشخصية (الشيزوفرينيا). فآخر منجزات الحكومة “المشمشطة” أنها “رابخة” على برميل… زياد بارود، متلهية عن مشاكل الناس وهمومهم. فقد إرتكب وزيرالداخلية خطأً جسيماً عندما صرح بأن سبب تدني أعداد المقترعين في بيروت أثناء الإنتخابات البلدية يعود إلى عدم إعتماد النسبية. “الكفر” البارودي إستدعى رداً سريعاً وعنيفاً من عمار حوري الذي أسف على ضياع مستقبل بارود السياسي! هذا العراك السياسي داخل الحكومة يأتي بعد الحملة المنظمة على وزير الإتصالات العوني شربل نحاس. لكن زياد محسوبٌ على رئيس الجمهورية لذا جرى تطويق القضية بسرعة، وكما قال أحد المتندرين فإن الوزير يأتي في لبنان إلى الحكومة ووراءه دستة من القوى الإقليمية فمن المستحيل أن ينهي حوري عمر بارود السياسي قبل أن ينقصف عمره هو.
وبمناسبة الحديث عن بارود، لايفوتنا أن نعلق على “إنكسار ١٤ آذار” في الإنتخابات البلدية والإختيارية التي جرت في بيروت والبقاع. فإنتصار إلياس سكاف الكاسح في زحلة وميشال عون في الحدث والأشرفيه مع تدني نسبة الإقتراع في بيروت إلي أدنى حدٍ لها (١٨ بالمئة)، وانتصارات المعارضة السابقة في البقاع خصوصاً في صغبين وجب جنين والقرعون والروضة هو دليلٌ قاطعٌ على أن الإنتخابات النيابية الأخيرة (المسعرة بمليار و٢٠٠ مليون دولار) والتي فازت فيها جوقة “أيتام بولتون” بكأس البطولة في الرشوة والمال السياسي الفاسد، تمت باستقدام المغتربين من كل أنحاء العالم الذين كانوا قد نسوا أي صلة بلبنان -حتى الكبه النية والتبولة!- فالمقترعون هذه المرة كانوا محليين فقط ولم يستنفر الخارج بسبب عدم أهمية رئاسة البلدية والمخترة.
ذاب الثلج وبان المرج وتبين أن كلها مسخرة بمسخرة.
Leave a Reply