كنت استمع اليه. بصمت، أغلق عينيه متنهدا بحدة، وقال لا ألوم إلا نفسي. نظرت الى الساعة، قلت لدينا ساعة أخرى للانتظار. أجابني متابعً، طوال تلك الفترة لم أنس أمي وأخوتي. كنت على اتصال بهم واساعدهم وأحقق لهم بعض طلباتهم كما واستقدمت اثنين من أخوتي للعمل معي. وحدها أمي كانت تحمل همي وترجوني أن أنساها. لكن لم أقدر.. لم أقدر.
عاد الى قصته وقال: كان زواجي من حبيبتي في أغلى فنادق العاصمة. قضينا شهر العسل في أوروبا، وكان مسك الختام في روما، حيث حاولت الاتصال بأخي الرجل صاحب الفضل عليّ، ولكني فشلت في العثور عليه.
خلال شهر العسل، كانت زوجتي تعاملني بمزيج من البرود المغلّف بالرقة. كانت شديدة الاهتمام بالسفر الى اميركا والعمل هناك تقليداً لي. فهي أيضا تريد أن تحقق النجاح والثروة. لم أنتبه لإسرافها في شراء المجوهرات والحلي وأنني صرفت حوالي أربعين ألف دولار في رحلة شهر العسل ومشترياتها.
بعد عدة أشهر لحقت بي الى اميركا. كنت في قمة السعادة، وكانت في قمة البرود. أصابها سعار الدولار. من اليوم الأول، ارادت أن تقوم بدور المدير المالي لكافة أعمالي لتعرف كل شيء عني، وتعرف وتتحرى عن كل سنت. طالبتني بإحضار أخويها، كما أحضرت أخوَي. واصرت على أن أصرف لها مرتبا خاصا تتقاضاه وحدها، وأمرتني أن أساعدها لاستخراج رخصة لها للعمل كاخصائية في الليزر، لأنها تريد أن تشعر بالاستقلال. طلبت مني أن استبعد أخوي من الاقامة معنا في المنزل الكبير المترامي الأجنحة، فوق كل ذلك طالبتني بأن أرسل الى أسرتها مبلغاً معيناً كل شهر!!
في الوقت الذي حققت لها كل ما طلبت، رفضت أن تنجب طفلا، بحجة أن مشروع الانجاب مؤجل حتى تبني مستقبلها المهني، وتؤمن مستقبلها المادي.
علا ضجيج المسافرين المنتظرين في المطار. وأخذ الأولاد بالبكاء والشكوى بعد أن استنفذ أهاليهم كل الأساليب معهم ليهدأوا. وأنا شعرت أن رأسي بدأ يدور حول رقبتي من الألم وأنا أسمع الشاب الذي قال: لماذا لا نذهب الى ذلك المقهى ونشرب فنجانا من القهوة؟ هذا ما كنت أريده.
لعلك تتساءلين لماذا أخبرك بقصتي؟ وهل لديك رأي فيها؟ أجبته: والآن في هذه اللحظة ما هو شعورك نحو زوجتك.. أجبني بصراحة؟ ابتسم بسخرية وقال: أحبها.. إنها في دمي!! رغم كل ما فعلته بي ما زلت أواصل حبها. أحيانا أسأل نفسي.. كيف بعد كل ما تفعله بي أطيعها منقادا صامتا؟ لقد مضت ثلاثة أعوام وأنا في هذا الجحيم، المتناقض، أقيم في الموتيل طوال الوقت تقريبا لأوفر لها كل ما تطلبه.
ببساطة قلت له: طلقها والأيام سوف تشفيك من حبها. أجابني: لو استطعت الحصول على الطلاق فسوف تأخذ نصف ثروتي كما تنص القوانين في أميركا!
قلت له: للأسف، أنت يا عزيزي وقعت في مشكلة الحب أكثر من اللازم، وهو نوع معروف ومن أقسى أنواع الحب، يحطّ ويذلّ كرامة من يحمله. انه مرض يفتك بالانسان كما يفتك المرض الخطير. لكن، لحسن الحظ، له مدة معينة ثم ينقلب الى كراهية اذا استمر الطرف الآخر يعامل من يحبه بهذا الأسلوب الذي أخبرتني عنه. دواءك هو الصبر. اصبر وسوف يأتي هذا اليوم، يوم الشفاء من هذه المرأة، وحتى ذلك اليوم.. لا تنتقم ولا تجعل الكراهية تستولي عليك.
ونحن ندخل الى الطائرة: سألته هل تسمح لي بكتابة قصتك. ابتسم وهو يأخذ مقعده في الدرجة الأولى..
Leave a Reply