صدمها في ذاك اليوم؛ أو بالأحرى صدمتها نفسها.
فكيف لم تفهم ماذا يقول؛ وهي العلمانية؛ اللتي كانت تعتبر نفسها خارج الحدود.
كانت تتقاسم وإياه الكثير من الأضداد، وكان يعجبها ذلك؛ هي المشاكسة بطبعها؛ فقد كانت تعده نوبة جنون اخرى.
كان جميلا أن يمر شخص مثله على شوارع أيامها، ولكن الأجمل أن تقع هي في شراكه.
كان يحدثها عن جمال آخر؛ جمال الايمان.
الايمان بالله وبالوطن، وكانت ترد بسخرية: إني لا أؤمن بإلهك أو وطنك؛ إنني فقط أحب الحياة؛ ولا أؤمن بتلك الفلسفات التي تبعدني عنها (أي الحياة).
وكان يجيبها دوما بابتسامة؛ وتحار هي كيف ترد عليه، تحار منه حين كان يراقب الغروب ويرى فيه إيذاناً بفجر جديد؛ بينما تراه هي إعلان لموت الحياة.
وتتوالى الايام، ويزداد شغفها به، كما يزداد كفرها بأفكاره؛ حتى ذاك اليوم حين قال لها أريد أن أدفن في أرض الجنوب.
نظرت إليه بدهشة ولكنه لم يترك لها مجالا للسؤال.
-لا أنا لست بجنوبي؛ ولكنني سأناضل مع “الرجعيين”، وسأدعوك بعدها لنشرب كأس النصر.
ساد الصمت لبرهة، قطعه هو بقوله: حسبتك خلعت معطفك المخملي؛ إن الحق عزيزتي علماني الهوى أيضاً.
توالت السنوات وإفترقت حياتهما. وبدأت بنسيانه، ولكنه فاجأها صبيحة التحرير وهو يقول: سننتصر رغم عملياتك الحسابية. لم تدر لماذا بكت؛ أهي الفرحة لتحرير جزء من أرضها لم تعرفها الا من خلاله؛ أم الحزن لرحيله.
كانت تظنه يعود بعدها ليسخر منها، ولكنها شربت هي كأس النصر وحدها. نصره هو على أعداءه، ونصرها هي على رداءها المخملي.
وترى صدق الحق بعدها بعدة سنوات، حين صمد جنوبها (نعم جنوبها هي) في وجه أعتى الهجمات التي شنت عليه.
وفي عيد ميلادها العاشر؛ حيث سبقتها علمانيتها اليه؛ تقف؛ حيث لم يقف إنسان قبل مولدها؛ تقف على الحدود الدولية (التي لا تؤمن بها اليوم)، وتضع وردة بيضاء تهديها الى روحه “حية كانت أم ميتة” وتبارك له ولها على مرور عشر سنوات على ميلادها.
Leave a Reply