بعيداً عن منظومة الردح والنواح التي تعود الناس على سماعها في أجهزة الاعلام العربية، كلما أقدمت اسرائيل على ارتكاب مذبحة أو تدمير مدينة أو شن حرب، فقد كان لمجزرة أسطول الحرية دروس وعبر لا بد من الاشارة إليها والاستفادة منها.
فقد أعادت الحادثة لأذهان المتناسين، إن اسرائيل ليست وحدها تفرض حصاراً على قطاع غزة، وإنما تشاركها في ذلك مباشرة مصر، “الدولة الشقيقة” التي تغلق المعابر منذ أربع سنوات وتدمر الانفاق والتي أقامت مؤخراً جداراً فولاذياً على طول حدودها مع غزة بتمويل أميركي مباشر لـ”تتأكد” من فعالية الحصار. هذه الصورة لا بد أن تدفع الى تسيير قوافل معونات برية لتعبر الحدود من رفح المصرية، وتنتظر دخول غزة، فذلك من شأنه وضع النظام المصري في حرج، فإما ان يسمح لقوافل الأغاثة بالدخول، او ان يسفك الجيش المصري دماء المتضامنين على رمال الصحراء، مثلما سفك الكوماندوز الاسرائيلي دماءهم في مياه المتوسط.
ثاني هذه الدروس، أنه بانكفاء العرب عن نصرة فلسطين وأهلها واعلانهم الاستسلام لمشيئة اسرائيل والولايات المتحدة، دخلت على خط الصراع في الشرق الاوسط، دول اسلامية لها وزنها مثل ايران وتركيا. هذه الاخيرة أعلن رئيس حكومتها، حال سماعه نبأ مذبحة الأسطول ان بلاده تقف مع غزة وستوظف الحدث المؤلم في السعي لكسر الحصار عنها، معرضة بذلك علاقاتها الاستراتيجية مع واشنطن الى الخطر، وبرغم انها عضو في حلف الاطلسي (الناتو) وتسعى منذ عقود للانضمام للاتحاد الاوروبي، ولها علاقات عسكرية واقتصادية مميزة مع اسرائيل.
في حين ان ايران معروفة مواقفها منذ اليوم الاول لانتصار الثورة الاسلامية، حين استبدلت السفارة الاسرائيلية في طهران، بأخرى فلسطينية وضعت مكانها، فيما تعد ايران العدو الاول لاسرائيل والولايات المتحدة في آن معاً، لوقوفها الى جانب المقاومة في فلسطين ولبنان ودعمها الهائل لسوريا.
كشف الهجوم على اسطول الحرية حماقة القادة الاسرائيليين السياسية، اذ تسببوا في تعريض دولتهم لانتقادات عالمية غير مسبوقة، وثبتت بذلك رؤية الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد، الذي قال ان الهجوم دليل ضعف الدولة الصهيونية لا دليل قوة لها. ثبت ذلك من الرواية الاسرائيلية لإحداثيات ذلك الهجوم التي نقلتها صحف عبرية كبرى تمثل اليمين المتطرف، ومنها “يديعوت احرونوت” و”معاريف” اللتان جاء فيهما ان جنود الكوماندوز حال نزولهم على متن السفينة التركية، أصيبوا بالهلع والخوف الشديدين. خافوا ان يهاجمهم المتضامنون بالخناجر وسكاكين المطبخ والبلطات، مع انهم كانوا مدججين بالسلاح، وتحرسهم زوارق حربية في المياه وطائرات هليكوبتر في الجو.
صحيفة “هآرتس” التي تمثل “الجناح اليساري” في اسرائيل هاجم الكتاب والمعلقون فيها بشدة القيادة الاسرائيلية على تنفيذ المذبحة، وانتقدوا الشعب الاسرائيلي كونه لم يخرج في مظاهرات تندد بها، باستثناء عدة مئات خرجوا في تل أبيب وانتقدوا العملية، فيما آخرون رجموا السفارة التركية في المدينة بالحجارة والبيض الفاسد
Leave a Reply