ديربورن – خاص “صدى الوطن”
كان الزوجان برايان وآنجيل غاي يريدان إنجاب أطفال آخرين. لكن الدكتور ياسر عواد طبيب أعصاب الأطفال السابق في مستشفى “أوكوود” في مدينة ديربورن حذرهما من الاقدام على ذلك.
تقول آنجيل (28 عاما): لقد قال لنا بأننا يجب أن نمتنع عن انجاب أي أطفال جدد لأنهم سينتهون مصابين بمرض الصرع.
وكان الدكتور عواد قد شخص طفلهما برايان (عمره الآن 9 سنوات) باضطراب الصرع عندما كان في عمر الثالثة.
ووضع طبيب الأعصاب عواد للطفل برنامج علاج بأدوية قوية مضادة لنوبات الصرع وأمر باجراء فحوصات لدماغه أربع مرات سنويا. وفق ما يقوله محامي العائلة من مدينة فارمنغتون هيلز.
وعندما تسببت الأدوية الموصوفة للطفل بمشاكل في الذاكرة وبالنعاس والهزال، قرر والداه عرضه على طبيب مختص آخر في ميشيغن، الذي أجرى له فحصا للدماغ أظهر عدم وجود أية دلائل لمرض الصرع.
يقول الأب “لقد صعقنا للنتائج”.
والطفل برايان غاي واحد من سبعة أطفال ترد أسماؤهم في متن الدعوى القانونية قيد النظر في محكمة وين الجوالة ضد الطبيب عواد ومستشفى مركز أكوود الطبي في مدينة ديربورن. وتفيد الدعوى بأن عواد شخص بصورة خاطئة مئات الحالات لدى أطفال من منطقة ديترويت بوصفها حالات صرع، فقط من أجل رفع مستوى راتبه من مستشفى أوكوود التي كانت تدفع له أجورا اضافية عن العمليات التي كان يجريها.
غير أن ادارة مستشفى “أوكوود” تنفي هذه التهم.
مرض صرع.. أدمغة طبيعية!
وبوصفه طبيبا متخصصا بطب أعصاب الأطفال، وهو حقل طبي صغير وعالي الاختصاص، نمت ممارسة عواد لهذا الاختصاص في السنوات الثماني التي عمل خلالها في منطقة ديترويت.
في العام 2005 كان الطبيب عواد الأرفع أجرا من بين سائر أطباء مستشفى أوكوود في مدينة ديربورن، حيث حصل على مرتب سنوي بلغ 600.692 دولارا، منها فقط 250 ألف دولار كراتب أساسي، والباقي تأتى من عقد مع المستشفى يقوم بموجبه بجلب “البزنس” لها.
وأقدم عواد على رفع راتبه من خلال التشخيص الخاطئ لمئات الحالات من الصرع لدى أطفال من منطقة ديترويت، البعض منهم لايزالون ربما غير مدركين أنهم عولجوا بصورة خاطئة لمرض غير مصابين به، وفق ما يقول محاميان من مدينة فارمنغتون هيلز يمثلان 225 من المرضى السابقين للطبيب عواد، ومن ضمنهم 7 ترد أسماؤهم في متن الدعوى المرفوعة حاليا ضده وضد مستشفى “أوكوود”.
وينوي المحاميان المولجان بهذه الدعوى الطلب الى القاضي دافني كورتس السماح باجراء عشرات المقابلات الاضافية، ومنها مقابلات مع مسؤولين كبار في مستشفى أوكوود وهي الخطوة الضرورية لجعل الدعوى ذات صفة جماعية، غير ان القاضي قد تأمرهما بمحاولة التوصل الى تسوية مرة أخرى.
وتتهم الدعوى عواد بالتشخيص الخاطئ والمتعمد لحالات صرع لدى أطفال من أجل كسب المزيد من المال. وقد أقدم عواد حتى على زرع أجهزة في أدمغة عدد من الأطفال للتحكم باضطراب الصرع الذي لم يكونوا يعانون منها اصلا، حسب ما يقول المحاميان برايان بينير ونانسي سافاجو.
أطباء آخرون كانت لديهم مخاوف
وتفيد الدعوى المرفوعة أن مستشفى أوكوود أخفقت في مراقبة الدكتور عواد بصورة ملائمة، بعدما أخطر أطباء آخرون ادارة المستشفى حول مخاوفهم من أن عواد كان يسيء تشخيص المرضى. وتزعم الدعوى أيضا أن ادارة المستشفى لم تخبر المرضى وعائلاتهم بأن عليهم العودة لاجراء تقييمات اضافية لحالاتهم، بعدما عرفت أن عواد يخضع للتحقيق. ويقول المحاميان إنه كان على ادارة المستشفى أن تعيد اجراء الفحوصات للاطفال على حسابها.
غير أن المحامي تشارلز فيشر الذي يمثل كلا من عواد ومستشفى “أوكوود”، قال في تصريح له يوم الاثنين الماضي انه لا يعتقد أنه من الملائم التعليق على دعوى لاتزال قيد النظر.
من جهتها أصدرت مستشفى “أوكوود” بيانا اعلاميا مقتضبا جاء فيه:
“ليس لدينا سبب للاعتقاد بأن الرعاية والعلاج الطبيين اللذين قدمهما الدكتور عواد قد نجم عنهما أي أذى أو اصابة لمرضاه، خلال ممارسته في مستشفى “أوكوود”.. فتشخيص وعلاج نوبات الصرع لدى كل مريض يقومان على قواعد منفصلة الواحدة عن الاخرى تبعا لكل حالة، ونحن ننوي الدفاع بقوة عن أي قضية قد تنجم عن هذه المزاعم. نحن ملتزمون بتقديم أفضل أنواع الرعاية الصحية لمرضانا”.
وفي شهر أيلول (سبتمبر) من العام الماضي، أقدمت مستشفى “أوكوود” على ابرام تسوية حول تحريات قام بها مكتب المدعي العام في ميشيغن بشأن اساءة استغلال وتزوير لفواتير البطاقة الصحية الحكومية (ميديكيد) بقبولها اعادة مبلغ 309.140 دولار الى برنامج “ميديكيد” الذي كان قد دفعها لقاء علاجات لمرضى الدكتور عواد الأكثر فقرا.
غير أن مكتب المدعي العام أقفل لاحقا كل التحقيقات حول ممارسات الدكتور عواد. وقال الناطق باسم المكتب: لقد أجرينا تحقيقات لكننا لم نجد أدلة كافية بارتكاب جريمة.
وهنالك أيضا تحقيق منفصل قيد الاجراء تقوم به وزارة الصحة المجتمعية في الولاية حول اتهامات بارتكابات قامت بها جهات صحية.
وكانت الدائرة قد شرعت بمراجعة ممارسات عواد في العام 2006 بعدما أبلغ طبيب من الولاية عن مخاوفه بشأنها.
ويمكن في العادة للجهات الصحية قيد التحقيق أن تحتفظ باجازات عملها حتى اكمال التحقيقات واثبات التهم في المحكمة.
ورغم أن العديد من التحقيقات يجري اكتمالها في غضون 12-15 شهرا، الا أنها قد تستغرق مددا أطول في القضايا الأكثر تعقيدا، وفق ما أفاد به بريد الكتروني ارسله راي رامسديل من وزارة الصحة الى صحيفة “ديترويت فري برس” وأبلغ رامسديل الصحيفة قوله “أستطيع أن أؤكد لكم أننا اقتربنا من المراحل النهائية للعملية”.
وبعد عدة اشهر من بداية التحقيقات التي أطلقتها وزارة الصحة، أقفل الدكتور عواد عيادته في مدينة ديربورن وغادر الولايات المتحدة لممارسة طب أعصاب الأطفال في المملكة العربية السعودية.
حالات عديدة، موضع شبهة حاليا
وبدأت عملية التحقيق مع مخاوف عبر عنها أحد أطباء أعصاب الأطفال في ميشيغن الذي لم يعثر على اثبات وجود حالات صرع بعدما اجرى فحوصات لادمغة مرضى الدكتور عواد. وعندما استحصل المحاميان بينر وسافاجو على نتائج الفحوصات التي اجراها عواد لمرضاه -كانت الملفات مخزنة في اقراص مدمجة- وجدوا ان النتائج كانت طبيعية فيما سجلات عواد كانت تشير الى انها غير طبيعية.
“هنا كان يكمن التزوير”، قال بينير. ويقدر أنه بينما كان عواد يمارس الطب في منطقة ديترويت من عام 1994 حتى العام 2007 فقد اساء تشخيص مئات الحالات على الارجح، ان لم يكن الآلاف منها.
الدكتور مايكل كوهرمان وهو طبيب أعصاب أطفال في شيكاغو مكلف بمراجعة ملف الدعوى لصالح بينيرو وسافاجو، وقع على افادة تقول ان مراجعته لفحوصات الدماغ وسجلات أخرى وجدت العشرات من الاطفال الذين عالجهم عواد بعد أن أساء تشخيص حالاتهم المرضية خلافا للواقع.
تقول كيم سافاجو (21سنة) من مدينة غروس آيل، وتدرس الموسيقى في جامعة “غراند فاللي ستايت” “ان الدكتور عواد ذهب بعيدا عندما أبلغها بوجوب الامتناع عن العزف على بعض الآلات الموسيقية خشية أن يؤدي التنفس المفرط الى حدوث نوبة صرع”. لكن كيم تجاهلت نصيحة عواد وتوصيته لها بعدم قيادة الآليات او ممارسة رياضية الهوكي. ولاحقا تم تشخيص اصابة كيم بمرض الشقيقة (الصداع النصفي) على يد طبيب آخر.
أحد الأطفال الوارد اسمه في الدعوى هو برايان غاي (9 سنوات) جرى تشخيص اصابته بالصرع في عمر الثلاث سنوات من قبل الدكتور عواد.
ولقد صدم والداه عندما علموا بعد مضي 6 سنوات من طبيب آخر أن نتائج فحوصات الدماغ لطفلهما كانت طبيعية.
ويتعجب الزوجان غاي (كلاهما 28 سنة) من مدينة ديترويت كيف أن عواد لايزال يزاول مهنة الطب حتى ولو في بلد آخر.
الطفل برايان غاي انهى للتو سنته الدراسية في الصف الثالث ابتدائي في مدرسة آلان ديل في مدينة ملفانديل وجرى تشخيص اصابته بمرض الشقيقة الذي لا يحتاج الى الأدوية التي كان يتناولها لعلاج مرض الصرع. ورغم أن عوارض الشقيقة والصرع تتشابهان الا أن الاولى لا تظهر نتائج فحص دماغ غير طبيعية، وفق ما يقول محاميا الطفل.
والدة الطفل برايان، آنجيل غاي تريد من مستشفى أوكوود أن تراقب عمل أطبائها بصورة أفضل وتقول: إنهم بحاجة الى تبني قواعد عمل كفيلة بعدم تكرار ما حصل.
Leave a Reply