قدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس ان لا يحظى بشعبية في الشارع الفلسطيني، برغم إنغماسه في العمل السياسي والثوري منذ اواسط الخمسينات من القرن الماضي، فهو من مدينة صفد، شهد النكبة الاولى والتغريبة الاولى، هاجر وعائلته الى دمشق سنة 1948 وكان عمره آنذاك 13 عاما، تخرج في سوريا وحصل على شهادة في القانون من القاهرة، حصل على الدكتوراة في العلوم الاجتماعية من جامعة سوفياتية، وكان موضوع اطروحته يدور حول الفكر الصهيوني، حتى انه اتهم بانكاره لما يسمى بـ”المحرقة اليهودية”. عمل في قطر وانضم في اوائل الستينات الى مجموعة قيادة اسست حركة “فتح” على رأسها الراحل ياسر عرفات، وقيل انه –عباس- هو من جمع المال لتمويل عملية فدائية قتل فيها مجموعة رياضيين في مدينة المانية في السبعينات، لكنه ليس بالضرورة ضالعا فيها.
عرف عنه انه مهندس “اتفاقات أوسلو”، وهو يقول ان مرحلة الجهاد الاصغر للفلسطينيين قد انتهت، ويعني بذلك الكفاح المسلح ضد اسرائيل، وحلت مكانها مرحلة الجهاد الاكبر ويعني بها المفاوضات السلمية والتنمية الاقتصادية وصولا لبناء الدولة الفلسطينية، وهو يبرر ذلك لغياب التوازن العسكري مع الدولة الصهيونية.
أبو مازن هذا الرجل السبعيني والذي نقل عنه في مناسبات عديدة، عدم التفاته لمسألة شعبيته وانه لا يتخذ قرارات غير مقتنع بها، يبدو انه غير جلده ولم يغير فكره، فقد ظهر في الآونة الاخيرة عدة مرات يتمشى في شوارع رام الله، ويلتقي الشباب ويتحدث معهم ويعدهم بتلبية مطالبهم، شوهد وهو يتناول الآيس كريم في احد المحلات في المدينة، وشوهد وهو يأخذ ساندويش فلافل في احد مطاعمها، بل وحضر مباراة في المونديال في احد المقاهي في رام الله وكان يشجع الفريق الجزائري ضد الفريق الانكليزي، وسط مجموعة كبيرة من الشبان، ودون ان تلاحظ أي إجراءات أمنية، أو مرافقة من حراسات الرئيس.
كل ذلك ليوصل الرئيس رسالة الى شعبه والى العالم، من أن الأمن اصبح مستتباً في الضفة الغربية، وبأنه يسيطر على الاوضاع فيها دون منازع.
من حق أبي مازن أن يعيد حساباته ويلتفت لشعبيته خاصة وان موعد الانتخابات العامة في فلسطين قد أزف، ومن واجبه النزول الى الشارع ومشاركة الناس مناسباتهم وسماع اوجاعهم وشكاواهم، قدره ان يكون غير شعبي نظرا لان من سبقه في موقعه كان ذا شخصية شعبية طاغية، إلا أنه وإن نزل الى الشارع وجلس في مقهى ووقف في طابور فلافل، يظل رجلا يعمل في الدبلوماسية والسياسة، لن يرقى الى مرتبة الزعامة بحال، فهو مسكون بالخوف من انقلاب عسكري مفاجىء، كالذي حدث له في غزة. وقد اشيع مؤخرا عن تنسيق بين السلطة والنظام الاردني على دخول قوات اردنية الى الضفة الغربية لقمع اي تمرد تقوم به “حماس” يفضي الى قلب الاوضاع الامنية والسياسية في المنطقة، سرعان ما نفى اشاعات التنسيق هذه، الملك عبدالله الثاني في خطابه الاخير للشعب الاردني، وهو ما يعني تأكيد أصل هذه الاشاعات.
Leave a Reply