في القرية الصغيرة التي نسميها الأرض (حسب تعريف العولمة، والبعض يظن ان هذه التسمية غربية فقط)، يكثر الخواجات الذين يتلذذون بضرب هويات الأمم وثقافاتها لتحقيق مآربهم الخاصة.
وقد اخذناهم “بكل أطيافهم” بالأحضان، إذ أن حسن الاستقبال من الواجب، وبالغنا في المديح والثناء والمحبة. فطاب للبعض منهم المقام، وقرروا في سهرة ما “ونحن نيام”، ان يستقدموا أعمالهم الى هذه الارض؛ وبدأت عملية جذبنا اليهم من خلال افخر السجائر التي يقدمها الخواجة فلان، واثمن الثياب والعطور التي يقدمها الخواجة عـِلاّن.
وهكذا كان؛ فبعد الكثير من العناء والتدبير؛ اصبحنا اليوم نأكل (شاكرين) وجباتهم السريعة، ونقود سياراتهم الفاخرة ونحن نحمل فنجان قهوتهم بيد ونحاول باليد الاخرى التحكم بصوت موسيقاهم الصاخبة؛ والتي لا نفهمها في أغلب الاحيان.
ولم يقف الامر بنا الى هذا الحد؛ نحن الممتلئين حتى الزلعوم بعقدة الخواجة؛ بل تعداه الى كل تفاصيل حياتنا.
لا ادري كيف رأى جبران كل هذا في ظلام الليل حين اطلق صرخته وبشر الامة بالويل ان هي لبست مما لا تنسج او شربت مما لا تعصر؛ ولم يقف عند هذا البعد المادي بل تعداه الى البعد الانساني حين قال:
“.. الويل لأمة مقسمة وكل ينادي أنا أمة”.
وها نحن اليوم بعد ان انسلخ بعضنا عن همومنا العامة وأخذ يغوص في الهموم الخاصة التي صنعها الخواجة ورّوج لها؛ أخذ بعضنا الآخر “خواجاتٍ” جدداً استحدثتهم المرحلة، ليثبت انه هو أيضاً “أمة”. واخذنا نخوض في جدالات عقيمة حول مفهوم الامة وما يجب عليها وما يجب لها، ومايتطلب ذالك من نبذ كل غريب في سبيل ارتقائها.
يدعـي البعض بان الخواجة أتى بكل ما هو جميل، وهذا مما لا شك فيه، ولكن هل نحن بحاجة لكل هذا الجمال الناقص (من مكتبات ثقافية كانت او سياسية او حتى دينية؟!..).
وأما البعض الاخر فقد ذهب الى حد القول بأننا أمة نائمة تحتاج الى الخواجة لكي يقرأ من ترانيمه ما يوقظها، او يتلوعليها دروسا في البطولة تعيد اليها بعضاً من شجاعة عنترة والزير سالم.
لقد نسينا اننا نتاج هذه الامة التي شيدت غرناطة وبغداد ودمشق سابقا، وأنها ساهمت أيضاً بصناعة ادباء النهضة مؤخرا؛ ولديها القدرة على صناعة خواجات الغد؛ رغم كل العوائق والصعوبات الآنية.
ليس من العدل ان نصفق لأي خواجة يقف معنا (مع اختلاف اهوائنا)، بل العدل ان يصفق لنا الخواجات على اختلافهم، فهذه الأمة، وكما قال “الخواجة” جبران: “تأبى السلاسل…”.
Leave a Reply