تذكرت وأنا أقرأ عن شربل قزي المسمى جاسوس “ألفا” الذي اعتقلته إستخبارات الجيش اللبناني بعد أن كشف تكنولوجيا الإتصال الخليوي للموساد الإسرائيلي، كلام سليمان فرنجيه صاحب المواقف الوطنية الجريئة أثناء إنعقاد ملهاة “منضدة” الحوار(الذي لا ينتهي في “شبه الوطن”)، ما قبل الأخيرة حين قال كلمته الجوهرية وهو ينظر إلى سمير جعجع “لنحدد أولاً ما مواصفات العميل”. ذلك أن شربل قزي ليس حالة شاذة أوإستثنائية بل هو جزء من “ثقافة” العمالة والعنصرية والإستسلام (الحياد). فحين تصبح العمالة وجهة نظر، وحين تصبح إسرائيل “جارة”، وحين تصبح سوريا عدواً أو، على الأقل، تعامل “كغيرها” من “جيران” لبنان، وعندما نطالب بحياد لبنان ونعود إلى نغمة “قوة لبنان في ضعفه” ونحارب معادلة “الشعب والجيش والمقاومة”، وعندما يموت أكبر عميل لإسرائيل (عقل هاشم) فيرثيه “بطرك العروبة لمدة ١٢ ساعة” ويطوبه “شهيدا” (ثم يرفع صغار “١٤ آذار” صورته في عاصمة لبنان)، وعندما يحاكم العملاء، الذين تسببوا بقتل وسجن عائلات لبنانية بأكملها على مدى ٢٥ عاماً، وكأنهم ارتكبوا جنحاً بسيطة لاخيانة وطن فيسجنوا لمدد رمزية لم تشكل ردعاً كافياً أوخوفاً لهم من تكرار الخطوة، وعندما يصبح الذين لهم تاريخ طويل في التدرب والتمول من إسرائيل محاضرين بالعفة والعدالة والحقيقة، لا عجب أن يتحول التعامل مع العدو عادياً ولقمة سائغة وليس عكس الطبيعة. فمعظم الشبكات الإسرائيلية التي كشفت حتى الآن كان وقودها الأساسي من العملاء السابقين أو أقربائهم، كما أن جاسوس “ألفا” جنده قريب له كان عميلاً لجيش أنطوان لحد (الذي، بالمناسبة، ظل يقبض راتبه من خزينة الدولة حتى آخرلحظة!) فأقصى عقوبة سينالها هذا العميل على الأرجح ستكون كما حصل مع العملاء السابقين، مجرد ٥ أو ٦ سنوات ثم يخرج ليتنعم بالأموال التي قبضها من الإسرائيليين. أحد العملاء الذين أفرج عنهم يسكن اليوم، على ذمة الراوي، في “الرملة البيضاء” في شقة إشتراها بعد خروجه بحوالي ٧٠٠ ألف دولار.
حتى وليد جنبلاط نفسه دعا إلى تعليق المشانق للعملاء وقال “للسفير” خلال الحرب العالمية الثانية “عانت بعض الدول الاوروبية ومنها فرنسا من العملاء، وبعد الحرب تم إعدام اكثرمن عشرة آلاف عميل او متعامل، بينما بعد تحرير الجنوب اللبناني في العام ٢٠٠٠ لم تحصل أي ضربة كف بحق العملاء، بل العكس تم إخضاعهم لمحاكمات وأحكام مهذبة”. عندنا في لبنان “راكب سن أعوج” فحتى الخلاف حول من هوالعدو لم يحل، لهذا السبب إنتخبت تلك التي اعدت أطباقاً شهية لشارون “نائبة” في برلمان لبنان، ثم خلفها من بعدها ابنها المصون ليكمل مسيرة “بشير حيةٌ فينا”!
“الصيد” اللبناني الجديد تبين أنه “ثمين جداً” بإكتشاف أخطرعميل إسرائيلي منذ ايلي كوهين في سوريا في الستينيات، مما يعني أن “هرهرة” جهاز “الموساد” مستمرة منذ إغتياله للمسؤول الفلسطيني محمود المبحوح، وإقتحام “أسطول الحرية”. هذا الجهاز الإستخباراتي كان (يوماً ما) مثل جيشه لا يقهر، إلى أن مرغ أنفه في تراب أرض جبل عامل. يبقى أن الخطورة القصوى تعود، إلى أن البلد المكشوف أمنياً كالمال السائب يعلم الناس الحرام. والأخطر من ذلك هو كشف مصادر التحقيق أن الموقوف وفّر معطيات لمشغليه، تبيّن أنها هي نفسها التي طلبتها السفارة الأميركية من شركات الهاتف الخلوي، والتي سبّبت يومها فضيحة جاءت لاحقة لفضيحة مشغلي الانترنت والمحطات المشبوهة التي كانت تنتهي في آخرها الى مراكز إرسال واستقبال موجودة في أحد جبال فلسطين المحتلة، والتي كانت شركة مملوكة من إسرائيليين تدير الاعمال التجارية من قبرص وتعرض بيع خدماتها بسعرأقل من نصف سعرالخدمة في لبنان. ومن خلال المعلومات في مجلة “دير شبيغل” الألمانية ورديفتها الكويتية حول اتجاه المحقق الدولي لتوجيه الاتهام الى عناصر من “حزب الله” باغتيال الرئيس رفيق الحريري، وحيث ان الدليل الاساسي الذي يستند اليه المحقق-كما فهمنا من بعض تقاريره المنشورة-هو مجموعة اتصالات بالهاتف الخليوي قام بها عناصرمن الحزب ساعة حصول الانفجارفي محيط السان حورج وبناء على ان العميل المقبوض عليه يعمل في خدمة اسرائيل منذ ١٤ عاماً، وحيث ان جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري حصلت منذ ٥ سنوات، وحيث ان اسرائيل زودت العميل باجهزة تمكنها من التلاعب بالمعلومات المتعلقة بالاتصالات عبرالهاتف الخليوي لذلك يحق التساؤل هنا: ما المانع من ان تكون كل المعلومات التي يستند اليها المحقق الدولي والمتعلقة بالاتصالات الخليوية ليست سوى نتيجة لعملية تلاعب قامت بها مخابرات العدو بالتعاون مع عملائها في الداخل؟ فلطالما أدت هيستيريا فارس خشان وجوني عبدو ومروان حمادة (قبل أن يقف في الصف ويقبل وجنتي السفير السوري علي عبد الكريم) الى منع حتى مجرد فرضية إتهام إسرائيل، كما اتهمت سوريا وحوكمت ثم أدينت من دون قرينة ووصفت بأقذع النعوت، وقتل عمالها من دون ذنب .
وتزامن إنهيار “الموساد” مع إنتفاضة شعبية في الجنوب بعد إنكشاف دورالقوات الدولية التي نفذت مناورة داخل القرى لمحاكاة إطلاق صواريخ رغم مطالبة الجيش بأن تكون مهمة المناورة التدريب على كيفية مواجهة الحرب التي قد تشنّها إسرائيل، إضافة الى إطلاق الصواريخ، “لكن قوات اليونيفيل رفضت هذا الطلب وقرّرت تنفيذ المناورة منفردة” مع كلابها البوليسية. ألم تفصح مستشارة ألمانيا أن دور “القوات الدولية” في الجنوب هو “لحماية إسرائيل”؟ رأس حربة المناورة كانت الكتيبة الفرنسية التي كان “حنا السكران ساركوزي” قد ترجى إسرائيل من أجل تحييدها عندما تقع الحرب، كما أن المناورة تأتي في أعقاب زيارة البطرك لفرنسا ولقائه ساركوزي ولارسن ممثل مصالح إسرائيل في مجلس الأمن. فهل الدورالمشبوه الجديد للكتيبة الفرنسية واليونيفيل هو لإعاقة عمل المقاومة كثمن لتحييدها عن أي ضربة إسرائيلية مقبلة؟ وماذا يعلم صاحب “ما يسمى” عن هذا الأمر؟ ومتى علم به؟ وبمناسبة الحديث عن “ما يسمى”، أعلنت قيادة الجيش، بعد١٠ أيام، أن ما حصل في زحلة عشية زيارة صفير، هوحريق متعمد وأن لا وجود لعمل إرهابي والتحقيقات أثبتت “عدم وجود متفجرات عسكرية في المكان”. لقد أشبعنا الإعلام الرسمي لدرجة الغثيان طيلة هذه المدة بأن “الحريق” كان إنفجاراً يستهدف صفير خصوصاً بعد تخوفه في فرنسا من إنقراض “مسيحيي الشرق”، فجاءت مباشرةً “شائعة” الإغتيال ومناشير تهدد الميسحيين في شرق صيدا. ما هذه الصدفة التي هي أكبر من ألف ميعاد؟ فإذا كان الانفجار يحتاج إلى ساعات لتأكيد طبيعته وحجمه ونوعية مواده، فلماذا استغرق الحريق ١٠ أيام؟ ولماذا تركت الأمور للاجتهادات والاستنتاجات بعد الربط بين الحادثة وزيارة صفير بعدما تبين أن صاحب المحل والضحايا هم من بلدة مجدل عنجر؟ وهل كان يمكن تصور الوضع لو كان الضحايا من بلدة أخرى ومذهب آخر كما تساءلت جريدة “الأخبار”؟
وأخيراً وليس آخراً، تبين أن المتهم بتوزيع مناشير شرق صيدا هو محمود البزري الذي كان على صلة خلال ثمانينيات القرن الماضي بأحد عملاء إسرائيل (قتل عام ١٩٨٥). وأشار مسؤول أمني إلى أنه كان مقرباً من النائب بهية الحريري. وتردّد أنه كان قد حاول ابتزاز الحريري مالياً عبرالقول إنه يعرف أشخاصاً في الولايات المتحدة يملكون معلومات عن جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وإنهم يريدون مبالغ من المال لقاء البوح بها، فلماذا ينتفع الصديق لوحده؟ مرة جديدة تصوروا لوكان المتهم من مذهب آخر؟
“إنت شايف الصدف ما أجملها يا قيصر”؟
Leave a Reply