لم يمض وقت طويل حتى تكشف جهة دولية عن تدخلها في دولة اخرى، ودفع أموال فيها لبث الكراهية بين أبناء الوطن الواحد.
لقد كانت شهادة السفير الاميركي السابق في لبنان ومساعد وزيرة الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الاوسط جيفري فيلتمان، أمام الكونغرس الاميركي سريعة ليكشف عن ان بلاده دفعت 500 مليون دولار أميركي خلال السنوات الماضية، منذ العام 2005 لتعميق الشرخ بين اللبنانيين و”حزب الله”، ولتشويه صورة هذا الحزب ومقاومته لدى الشباب اللبناني، الذي بدأت تجذبه إليها هذه المقاومة التي حققت انتصاراً باهراً في الحرب عليها وعلى لبنان صيف 2006.
لقد كان الدبلوماسي الاميركي واضحاً، بالأهداف التي طرحها، وهي استهداف المقاومة، وهو ما سعت إليه إدارة الرئيس الاميركي السابق جورج بوش، عندما استصدرت القرار 1559 من مجلس الأمن الدولي في 2 أيلول 2004، وبالتعاون مع فرنسا برئاسة جاك شيراك، والذي تضمن في احد بنوده نزع سلاح المقاومة، بعد جلاء الجيش السوري عن لبنان، الذي تعتبره أميركا وحلفاؤها انه يؤِّمن الدعم للمقاومة، وعند خروجه تفقد الغطاء، ويسهل على المعارضة المكونة من لقاء “قرنة شهوان” الذي أسسه البطريرك الماروني نصرالله صفير، بعد بيان المطارنة الشهير في أيلول عام 2000 ان يطالب بنزع سلاح المقاومة.
فالمخطط الاميركي واضح، وهو إفراغ لبنان من مقاومته، والرد على الانتصار الذي حققته في أيار 2000، بطرد الاحتلال الاسرائيلي وعملائه في 25 أيار 2000، من جنوبه، دون ان تعلن المقاومة وقف عملياتها وتسليم سلاحها، بعد ان رفضت اسرائيل الانسحاب من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، ولان الخطر الاسرائيلي يبقى قائماً على لبنان.
استمرت المقاومة في الحفاظ على سلاحها، وخرج من يعلن في العام 2000، هل نريد “لبنان هانوي أو هونغ كونغ” وبدأ البعض يقول، ما دامت اسرائيل انسحبت، فلماذا يبقى الجيش السوري في لبنان، وعليه ان يتمركز في البقاع ليخرج نهائياً منه الى سوريا.
كل هذه التطورات بدأت تتجمع منذ العام 2000، وكان النائب وليد جنبلاط من الذين ساروا مع البطريك صفير، في موضوع خروج الجيش السوري، وأنجز معه “مصالحة الجبل” ليندفع ويقول ان المقاومة انتهت مع حصول التحرير، ولا بد من تطبيق اتفاق الهدنة.
لم تكن المواقف الداخلية، بعيدة عن ما كان يرسم للمنطقة، مع وصول جورج بوش الى الرئاسة الاميركية عام 2000، وبعد أحداث أيلول عام 2001، والعمليات التي قام بها تنظيم القاعدة ضد برجي نيويورك ومراكز عسكرية حيث قررت الإدارة الاميركية محاربة الإرهاب في العالم، وتصنيف سوريا داعمة للإرهاب، ووضع “حزب الله” في خانة “المنظمات الإرهابية”.
هذا التوجه الاميركي أنعش في لبنان، الرافضين للوجود السوري، والممانعين لاستمرار المقاومة، فبدأوا ينظمون صفوفهم، ويجرون اتصالات لهم مع مسؤولين اميركيين لتقديم مساعدات لهم للعمل ضد سوريا والمقاومة حيث تلاقى معارضون لبنانيون مع ما فعله معارضون عراقيون، على تقديم شهادات أمام الكونغرس الاميركي، وتقديم معلومات للادرة الاميركية، حول وضع النظام العراقي الذي قرر بوش إسقاطه، لانه من الدول الإرهابية ولديه أسلحة دمار شامل تهدد السلام في العالم، ويحتضن تنظيم “القاعدة” وتبين فيما بعد أنها أضاليل ومعلومات كاذبة، اعترف بها مسؤولون أميركيون كانوا في موقع المسؤولية مثل كولن باول.
فالمعارضة العراقية السابقة، غرفت من الخزينة الاميركية مساعدات، وكشف تقرير أمام الكونغرس، انه تم دفع مبلغ 90 مليون دولار لأحد المعارضين احمد ألجلبي، لتقديم تقارير عن الوضع في العراق، لتستند إليها الإدارة الاميركية في محاربتها “للإرهاب” تبين أيضا أنها كاذبة، وقد ادخل ألجلبي الى آلة فحص الكذب، لمعرفة صدق معلوماته، وقد ورّط المسؤولين الاميركييين في حرب كانوا يريدونها، لكن بشعارات كاذبة.
كان الاجتياح الاميركي للعراق واحتلاله بهدف إسقاط نظام صدام حسين، وتعيين بول بريمر حاكماً لبلاد الرافدين الذي أول ما قام به حل حزب البعث العربي الاشتراكي والبدء باجتثاثه من مؤسسات الدولة والمجتمع، وتسريح الجيش العراقي والشرطة حيث فرغت الساحة للميليشيات ليدخل العراق في الاقتتال والفوضى الخلاقة التي أرادها الرئيس بوش لرسم “شرق أوسط جديد” يقوم على دويلات طائفية ومذهبية وعرقية، لتبرير وجود اسرائيل دولة دينية يهودية في المنطقة.
هذا في العراق، أما في لبنان، فبدأ التحضير ليكون الدولة الثانية بعد العراق، الذي يسقط في قبضة النفوذ الاميركي، ليسهل على اسرائيل فيما بعد توقيع معاهدة سلام معه، حيث يتكرر سيناريو العام 1982، بالاجتياح الاسرائيلي وقيام حكم تابع له.
وفي السيناريو الجديد، الذي وضع لبلاد الأرز ان تقوم “ثورة” فيه تحمل اسمه، تضغط باتجاه الانسحاب السوري، الذي كانت الإدارة الاميركية تهدد القيادة في سوريا، وتخيّرها بين وجودها في لبنان، ووقف دعهما للمقاومة في لبنان وفلسطين والعراق، أو الخروج منه، لكن الرئيس الأسد ابلغ الموفدين الأميركيين والدوليين، انه مستعد لمواجهة الضغوطات والقرار 1559، والعقوبات وحتى الانسحاب من لبنان، ولن يكون إلا الى جانب المقاومة.
كان الرفض السوري للخضوع للترهيب والترغيب الاميركي، قد بدأ في أيار عام 2000، ولم يكن قد مضى شهر على الاحتلال الاميركي للعراق، وبان أميركا هي على حدود سوريا، التي إصر رئيسها على انه لن يعطي شرعية لهذا الاحتلال، ولا بد من مقاومته.
وأمام هذا العناد السوري في رفض الرضوخ للشروط الاميركية، بدأ الإعداد للمواجهة معها من لبنان، فكان الدعم السياسي والمالي والإعلامي، للمعارضة التي كانت بدأت تتجمع في “لقاء البريستول” الذي انضم إليه الحزب التقدمي الاشتراكي و”تيار المستقبل”.
وهذا كان مؤشر الى ان لبنان، بدأ يسقط تحت السيطرة الاميركية، وكان اغتيال الرئيس رفيق الحريري، لإخراج المواطنين الى الشارع لإطلاق الاتهامات ضد النظام الأمني اللبناني–السوري المشترك، وقد اعد لذلك المسرح الشعبي والسياسي والإعلامي، تحت إشراف أميركي مباشر كلف به السفير الاميركي السابق ديفيد ساتر فيلد، الذي كان يدير من السفارة الاميركية في عوكر تظاهرات واعتصامات ساحة الشهداء، وكانت التسمية أميركية لـ”ثورة الأرز” كما تم تشغيل وسائل الإعلام لتعبئة اللبنانيين، وزرع في عقولهم ان سوريا عبر نظامها الأمني اغتالت الحريري، فهب الشارع يطالب بانسحاب القوات السورية من لبنان، التي أسرع الرئيس الأسد الى إصدار قرار بخروج الجيش السوري، بعد ان أدرك حجم المؤامرة، على بلاده، وهذا ما حصل، كما ان المقاومة انحنت أمام العاصفة المذهبية، وتلطت وراء التحالف الرباعي بعد ان بدأت تظهر بوادر فتنة – سنية – شيعية، وتمكنت من تحييد سلاحها عن الداخل، الذي كانت الخطة تقضي بان ينزلق “حزب الله” فيه الى الصراع الداخلي.
هكذا كانت صورة الوضع السياسي والإعلامي والشعبي، الذي استغلته أميركا، وشغّلت قوى “14 آذار”، في خدمة مشروعها، وهذا ما اعترف به النائب وليد جنبلاط، وبعملية نقد ذاتي جريئة، قل ما يقوم بها سياسيون لبنانيون، وقال: كنا أدوات صغيرة في المشروع الاميركي، الذي اقر جنبلاط نفسه، انه راهن عليه لإسقاط النظام في سوريا، وفشل ، وقد تبدى له هذا الفشل مع انتصار المقاومة في تصديها للعدوان الاسرائيلي عام 2006.
لقد حركت أميركا أداوتها في لبنان، كما تعمل في دول اخرى، ودفعت الأموال لأحزاب وتيارات سياسية ووسائل إعلام، للترويج للمشروع الاميركي الذي يقوم على حفظ امن اسرائيل، الذي لا يتحقق مع وجود المقاومة وسلاحها، فكانت الحملة وما زالت عليها من سياسيين ورجال دين وإعلاميين وحاولت مع أشخاص، من داخل الطائفة الشيعية، تجاوبوا وعملوا في مخططها، ومن أبرزهم احمد الأسعد والسيد علي الأمين، والشيخ محمد الحاج حسن “التيار الشيعي الحر” وعقاب صقر وآخرين، ومهمة هؤلاء كانت تشويه صورة “حزب الله” واعتباره أداة إيرانية في الوقت الذي كانت قوى “14 آذار” تشن حملة منظمة على المقاومة على أنها دولة داخل الدولة أوعلى قراراتها، ولم يفتأ أقطابها بوصف سلاح المقاومة، بسلاح الغدر، واتهامها بالاغتيالات والتفجيرات، كما لم تنجح الحكومة في ان تنزع شبكة الاتصالات التي تصدت لها المقاومة، بعد قرار الحكومة التي كان يرأسها فؤاد السنيورة في 5 أيار 2008، والذي أدى مواجهته في الشارع، الى إخراج لبنان من النفوذ الاميركي أو ضرب المشروع، وهو ما فرض تحولاً لدى جنبلاط الذي اعترف ان رهانه فشل، وما دفع بالسعودية الى مصالحة سوريا، وبالدول الكبرى الى محاورة الرئيس الأسد، الذي نجح في دعمه للمقاومة ان يغير مجرى التاريخ في المنطقة.
فالدعم المالي الاميركي لما سمي بـ”ثورة الأرز” يكشف عن ان من انضم إليها، وكان في ظلالها، رافعاً شعارات السيادة والاستقلال والقرار الحر، جاء فيلتمان ليشهد ان هؤلاء لم يكونوا سواء أجراء لدى الإدارة الاميركية، وكانوا عبيداً عندها وهم الذين اسماهم الرئيس الأسد بعد حرب تموز 2006، “عبداً مأموراً لعبد مأمور” و”أشباه الرجال” وقد صح وصفه لهم، حيث لم ينكروا ما قاله فيلتمان الذي ستتم مقاضاته أمام القضاء، كما أعلن النائب نواف الموسوي من كتلة الوفاء للمقاومة في “حزب الله”، واشار الى انه سيتم الكشف بالأسماء عن المتعاملين مع أعداء لبنان، لان أميركا التي أعطت الضوء الأخضر والقرار لإسرائيل بشن حرب على لبنان، هؤلاء يصنفون في خانة الأعداء، وعند الإعلان عن أسمائهم، سيخضعون للمحاكمة وإنهم معروفون من الشعب اللبناني بالصوت والصورة، وهم الذين جمعتهم وزيرة الخارجية الاميركية كونداليزا رايس أثناء العدوان على لبنان في صيف 2006، في السفارة الاميركية، تطالبهم بالصمود، لان العدوان لن يتوقف قبل الإجهاز على المقاومة وتدمير سلاحها واستسلام قيادتها.
فكل من تجمع في لقاءي “قرنة شهوان” و”البريستول” ثم في لقاء “14 آذار” الذي بعد خروج العماد ميشال عون بات اسمه “14 شباط”، أو “لقاء قريطم” هؤلاء كلهم ومن ارتبط بهم، هم من أعلن فيلتمان أنهم قبضوا منه ومن غيره من المسؤولين الأميركيين 500 مليون دولار، لتشويه صورة “حزب الله” وإثارة الفتنة بين اللبنانيين وتوجيه السلاح الى المقاومة.
هؤلاء يسمون في القاموس الوطني “عملاء للخارج”!.
Leave a Reply