كما هو متوقع في “الوطن” الذي لم يكن يوماً كياناً ولا دولةً بل شبّه لهم، تحولت إلى مادة سجالية (طائفية)، مسألة أمنية وطنية خطيرة تمس الكيان بالصميم كإعتقال جاسوس إسرائيلي يعادل في خطورته العميل إيلي كوهين الذي كشفته الإستخبارات السورية وأعدمته شنقاً عام ١٩٦٥بعد أن كاد يصبح وزيراً للدفاع بعهد امين الحافظ. ونحن حين نتحدث عن “شبه الوطن” لا ننتقد البشر والأرض ولا الحجر أو الشجر، بل النظام السياسي العنصري الطائفي المتخلف عن العصر بملايين السنين الضوئية، وعن الساسة الذين “امتهنوا” دويلةً وزاولوا “مهنة” الوطن كما أسلفنا في مقالةٍ سابقة، وعن الكيان الذي “اصطنعه” الإستعمار الفرنسي لمحاكاة الكيان الإستيطاني الصهيوني العنصري في فلسطين، ووضعه في “عهدة” الطائفة المالكة التي فضلت أن تحرق “البلد” على أن تتقاسمه مع “الشركاء” الذين تزايدوا نوعاً وكماً في الوطن! هؤلاء الشركاء الذين لم تعترف بهم الطائفة المالكة هم الذين اعطوا لبنان مجده وعزته ومنعته بدمائهم وتضحياتهم غير المتناهية حتى يتنعم “أبناء الست” في مصايفهم المؤمنة والمجهزة والمستقبلة لمغتربي العالم بعكس المناطق المحذوفة عن خريطة الإنماء والإنتماء بفعل التمييز الطائفي، حتى إذا ما زفت ساعة إلغاء الطائفية السياسية المعيقة لتطورالبلد علت الصرخة وانهدت أركان العرش. لماذا مطلوبٌ منا أن ننتقد هؤلاء المضحين بأرواحهم ونمارس المازوشية وجلد الذات بينما لا ننقض علي مقومات وإرهاصات الوطن المزيفة المبنية على التاريخ المزور، التي لم تفلح في منع الحروب الأهلية كل عشرة اعوام؟!
وبخصوص الحوار مع الآخر وعدم التبعية لأي دولة خارجية، فلا أعتقد أن هذا الكلام يجب أن يوجه للشعب العاملي المناضل لأن علماءنا، وعلى رأسهم الإمام الصدر، خلقوا صيغة التعايش والحوار الحضاري بين الطوائف والملل والنحل التي يتكون منها “شبه الوطن” الذي لم يكتمل ويرتفع لمستوى هذه الخلقية العاملية بسبب إستئثار أحفاد فينيقيا الأشاوس بالبيضة و”تقشيرتها”. كما أعتقد أني ذكرت في مقالةٍ آنفة أن المؤرخ د. سعدون حمادة كشف أن كل المؤرخين عبر التاريخ ظنوا أن الطائفة الشيعية ستنقرض لأنها الوحيدة بين الطوائف التي لم يكن لها أي سند خارجي، وبالتالي لن يضيرها إجتهاد علمائها على “دخول” الشهر أو خاتمته لأنها ادخلت شرف الأمة المثلوم إلى رحاب التاريخ المؤزر والمستقبل الناصع. هذا لا يعني أن هكذا مسيرة لن تتخللها هفوات وعثرات من هنا وهناك، لكنها يجب أن لا تلغي كل الإنجازات العظيمة التي تحققت عبر المقاومة والتحرير.
أما في الجانب الآخر، فماذا نلاحظ؟ منظِّر الكيانية الفينيقية سعيد عقل “إنكمش” على الكاميرا وهو يمدح الجيش الإسرائيلي الذي إجتاح لبنان عام ١٩٨٢، كما ارتبطت ميليشيات أنصار الكيانية بإسرائيل منذ الخمسينيات ضد أبناء وطنها، ثم ابتكرت المجازر والقتل الطائفي العنصري حتى أضحى كبيرهم الذي علمهم السحر رئيساً لجمهوريتهم على وقع الدبابات الإسرائيلية؟ أي وطنٍ في العالم قاطبةً يمنع شحصاً أن يحلم مجرد حلم برئاسة الجمهورية في بلده فقط لأنه ليس من الطائفة المالكة أولانّه من طائفة “ما يسمى” حسب تعبير “بطرك عروبة الضرورة” (الذي نال جائزة “الياس الهراوي” على مواقفه الوطنية الباهرة)، بينما يحق لشخصٍ مثل بشير الجميل أن يتحول في ليلة واحدة من زعيم المجازر والقتل على الهوية إلى “فخامة الرئيس”؟ وما أشبه اليوم بالبارحة، فخليفته يعيد تجارب الماضي المريرة ويهجر الحوار ويحمل لواء العداء لكل ما يعادي إسرائيل، ثم يثير فريق شلته المنقرضة من صغار “١٤ آذار” الغبار حول قضايا مصيرية مثل العميل داخل شركة الخليوي “ألفا” وإنتفاضة الأهالي في الجنوب ضد دور “اليونيفيل” المشبوه، والتنقيب على النفط.
فحول الموضوع الأول، بدأت جوقة “١٤ آذار” بالعزف على انغامٍ موحدة تدافع من خلالها عن شربل قزي ضد ما سمتها تسريبات الجيش والإتهام المتسرع. يا الله ما أشد تهذيب هؤلاء! عندما بدأت جرائم القتل بإستشهاد الرئيس رفيق الحريري، سارعوا حتى قبل أن تجف الدماء إلى إتهام سوريا مع إستبعاد أي فرضية إتهام لإسرائيل أوغيرها بالمطلق! حتى أحمد فتفت “القبضاي” أدلى بدلوه بعد أن عاد عن إستقالته التي قدمها نتيجة خسارته المريعة في معركة البلديات في عقر داره. وبعد التظاهرات المليونية قرّر العودة لان البلد قد يخسره بعد أن أصبح عضو شرف في “حزب حفلة الشاي” الأميركي ( tea party)!
أما في الجنوب، فقد حمل جعجع وزمرته، مثل الماما معوض محبة الحياه و”البونبون” والمنسق العام لـ”جمعية فيلتمان الخيرية الإجتماعية”، الأهالي مسؤولية المواجهة مع القوات الدولية من أجل الملف النووي الإيراني والمحكمة الدولية. أي أن جعجع يتهم حتى الجيش اللبناني، الذي رفض دور “اليونيفيل” المدافع عن إسرائيل وغير القادر حتى على منع إسرائيل من خطف راعٍ من الجنوب، بالعمالة لإيران؟ فالعنصرية الجعجعية تجلت بأنه لم “ير” وجود أهالي في الجنوب من قبل لكن هؤلاء تم اكتشافهم فجأة عندما وقف بعضهم ضد بعض قرارت الإنتخابات البلدية! لاحظوا معي أن جعجع قام بزيارة مصرثم إسبانيا ثم فرنسا، والدولتان الأخيرتان كانتا الأكثر رضوخاً للضغوط الإسرائيلية وعداءً للجنوبيين. فأبناء الجنوب لم يتغيروا وحفظوا “اليونيفيل” برموش العيون قبل ٢٠٠٦ لكن الذي تغير هو قوات “اليونيفيل” بعد حرب إسرائيل التي على ما يبدو أصبحت أعجز من إتخاذ قرارالحرب فأرادت أن تناط بالقوات الدولية “مهمة” نزع سلاح المقاومة. وما تصريح رئيس أركان حرب إسرائيل الذي اعطته “المحكمة الدولية” سرها العميق بأن قرارها سيصدرفي أيلول وأن مرحلة توترات ستقع في جنوب لبنان إلا تأكيداً على المؤامرة المرسومة. من يعلم ربما جعجع كجحا الذي صدّق كذبته بعد نمى لأسماعنا انه يطمح لرئاسة الجمهورية مقتفياً اثار معلمه، وعلى وقع ضربة اسرائيلية كما حصل عام ١٩٨٢ تمهد لها هذه المرة القوات الدولية!
فتش عن …جعجع!
Leave a Reply