ذهب مختار الضيعة لزيارة أحد أبناء رعيته من الفلاحين في بيته، كان قد تزوج حديثا بعد وفاة زوجته. وجد المختار زوجة الأب على وشك الانتهاء من دق اللحم، بالطريقة التقليدية على بلاطة من الحجارة الصلبة وبواسطة مدقة من الخشب. رحبت الزوجة بالمختار ومن معه كثيرا، ثم بدأت بلف “عرايس اللحمة” لأولاد زوجها وابنها بالتساوي، طالبة منهم جميعا الدخول الى غرفة مجاورة. ثم استئذنت من المختار ومن معه لتذهب وتغسل يديها وتحضر لهم فنجانا من القهوة.
هز المختار رأسه مباركا للزوج هذه الزوجة ذات الضمير العادل. هز الزوج رأسه متألما وقال: تعال معي لكي ترى. فوجد زوجة الأب تحمل قضيب خيزران تهدد به أولاد زوجها الأربعة طالبة منهم أن يعطي كل واحد منهم نصف “عروسته” لابنها.
سمعت هذه الحكاية من أحد الحكماء عندما دخلت قوات الردع السورية إلى أرض الوطن الحبيب لبنان، حيث امتدت إقامتهم لأكثر من خمس وثلاثين سنة عجافا. كان يتم استنزاف موارد وخيرات الوطن بواسطة ابنائه والعديد من زعمائه تحت مرأى ومسمع المندوب السامي السوري. وفي أحيان كثيرة تحت مظلته وحمايته طالما أن النصف من التشليح والتشبيح على الشعب اللبناني يعود ثانية اليه مع كل الاحترامات سيدي.
لم نسمع ولم نر أن الوجود السوري في لبنان ساهم في بناء جامعة أو رمم جسرا أو فتح مصحة للمرضى والحزانى وما أكثرهم. كانت الأمور تختلط على المسافر من مطار بيروت الدولي، أو الزائر لها، حيث صور الرئيس حافظ الأسد، ذات الحجم الكبير، معلقة في كل مكان حتى الاختناق.
المؤسف أن تطالعنا بين الفينة والأخرى، بعض أقلام الكتاب تقطر شماتة وتزلفاً تصف لبنان بـ”شبه الوطن” وتهزأ ببعض اللبنانيين الواقفين بالصف للانحناء وتقديم واجب الولاء للسفير السوري في بيروت. يعني “تيتي تيتي متل ما رحتي متل ما جيتي”. هل هذه هي العلاقات السليمة والبريئة من الخبث والتدخل في شؤون لبنان؟ ولماذا تفرح تلك الأقلام وتطبل وتزمر شماتة ببعض الزعماء والملونين حسب المواسم وحسب الأهواء وهم يبوسون يد السفير السوري ويركعون أمامه.
هكذا زعماء وأتباعهم شعب ضائع وهجين لا يتشرّف لبنان بانتمائهم اليه، طالما لم يشبوا عن الطوق ولايزالون بحاجة لمصاصة من صنع الشام لتلهيهم ويتسلوا بها بعد كل نقار وشجار وعند كل استحقاق رئاسي أو دستوري.
في النهاية لا يصح الا الصحيح. فمن يهوى الركوع فليركع ومن لا يمل من الانتظار أمام السفارة السورية فتلك هي مشكلته، أما لبنان فسوف يبقى ولن يركع ولن يتسول الزعامة من احد طالما أرضه تُنبت وفضاؤه يحضن كبارا وعظماء قولا وفعلا مثل السيد محمد حسين فضل الله الذي توفاه الله مطلع الأسبوع الماضي، ألف رحمة لروحه المتسامحة الطاهرة والعزاء للبنان، كل لبنان.
Leave a Reply