نتعامل مع الكثير من النِعم التي اغدقها الله علينا على انها حق مكتسب؛ ونغفل بجنونا البشري عن كونها نعمة ممنوحة من رب السماء.
ويحدث بين الفينة والأخرى ان نرى سليبي هذه النعم (بوظائفها الخمسة، أو ما يتعداها الى نعمة العافية)، ونشكر الله “للحظات” على احتفاظنا بنِعمنا.
وفي غفلةٍ من الحياة يغيب الموت عزيزاً، وعندها ندرك “إنا لميتون”، ونعيد حساباتنا لنرى اننا نغفل عن اعظم نعمة؛ الا وهي الحياة؛ ولكي نعرف معناها الحق كان لا بد من العقل؛ ذاك العقل الذي كان اول ما خاطبه الله فينا.
وهذا العقل كان وسيلة الراحل ليرينا به نعمة الوطن (التي تأتي قبل أو بعد الدين)، تلك النعمة حسب ما رآها، تقوم على وحدته واستقلاله (أي الوطن)، فكان مسيحياً قبل ان يكون لبنانياً، وكان سنيا قبل ان يكون شيعيا، وكان عربيا قبل وبعد الاسلام.. وكتب لنا بالأحمر القاني دروساً في الحرية.
وتعدى ذاك العظيمُ الوطنَ -بكونه المرجع الجامع- الى الامة من خلال الدين. فأخذ على عاتقه عملية نزع ما في صدورنا من غل، وذلك من خلال تقريب واحدنا من الآخر (وإن كره اكثرنا)؛ فكان -وبريشة فنان- يرسم لنا اجمل لوحة عن صدر الاسلام..
وأخذ بتشذيب موروثنا لجعله اكثر واقعية، حيث أخذ (وبعقلانيته)؛ وهو المجتهد من داخل النص أو من خارجه؛ بطرق تلك الأبواب المحللة او المحرمة ليحررها من قيود عفا عليها الزمن، فاصبح مدرسة فقهية متجددة يومياً في حِراك دائم تتصدى لفقه الحياة اليومية وحتى لسياسة الفقه؛ ليكون الانسان همها الاول والأخير.
فتراه الانسان في فلسطين قبل العراق أو لبنان، والإنسان في المرأة قبل الرجل..
وهذا ما جعل مسيرته مليئة بالأشواك، فقد قاسى الأمرين مع كل خطوة الى الامام، وتعرض لأشنع الهجمات ولكنه (وهو مرجع الوحدة بامتياز) كان يوزع الورود على الجميع..
برحيلك أبا علي خسرنا العقل المرجع، خسرنا العقل الموحد، خسرنا العقل المجدد؛ خسر محبوك يداً للعون ممدودة وخسر مبغضوك يداً للحوار ممدودة.
وتبقى الخسارة كل الخسارة للفكر الانساني الذي يفقدك أباً روحياً ومرجعاً..
فإلى روحك التي ستبقى حيةً فينا، كل ورودنا.
Leave a Reply