بيروت- في زيارته الأخيرة لإسبانيا، وقبلها في بعض دول أميركا اللاتينية، حذّر الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد، من أن المنطقة إذا لم تتقدم نحو السلام فهي ذاهبة الى الحرب.
هذا التحذير يستند الى انسداد أفق عملية السلام التي أوقفتها إسرائيل، بسبب رفض قادتها، مقايضة الأرض مقابل السلام كما نصت عليه قواعد وأسس مؤتمر مدريد للسلام، الذي انطلق في العام 1991، وجرى تعطيله من قبل جهات عربية وفلسطينية ودولية، عندما ذهب الوفد الفلسطيني منفرداً الى حل جزئي عبر اتفاق أوسلو، وأقام النظام الأردني سلاماً عبر اتفاق وادي عربة، وبقيت سوريا متشبثة بحقها في الانسحاب من الجولان الى حدود الرابع من حزيران، وتطبيق القرارات الدولية كما أن لبنان الذي لم يكن معنياً بمؤتمر مدريد إلاّ في تنفيذ القرار 425 بانسحاب الاحتلال الإسرائيلي من أراضيه، فإن مقاومته استمرت في القيام بعمليات ضد مواقع الجيش الإسرائيلي وعملائه حتى فرض الانسحاب بالقوة عليه في 25 أيار 2000.
فعملية السلام متوقفة بالرغم من محاولة الإدارات الأميركية المتعاقبة تنشيطها، لكنها لم تحرز أي تقدم، بل هي وصلت الى طريق مسدود بعد أن أسقطت إسرائيل اتفاق أوسلو وما تبعه من خارطة طريق الى اللجنة الرباعية والمبادرة العربية، الذي لم تلتزم به، لا بل هي وخلال الكلام عن السلام، شنت حربين مدمرتين على لبنان صيف 2006 وعلى غزة نهاية 2008 ومطلع 2009، إضافة الى الاعتداءات المستمرة على الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة والأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948.
فـإسرائيل دولة قامت عقيدتها التوراتية على اغتصاب أرض الغير في فلسطين وطرد شعبها منها، وهي نشأت على الحرب والعدوان، وأن مؤسسها دايفيد بن غوريون الذي وضع عقيدتها الأمنية يقول “أن فترة الهدوء التي تلي الحروب بالنسبة الى الدولة اليهودية هي أشبه بحالات هدنة أو وقف إطلاق نار طويل قبل الحرب التالية”.
وهذا ما حصل. إذ أن إسرائيل بعد هدنة العام 1948، وبعد صدور قرار التقسيم عن الأمم المتحدة الرقم 181، شنت حرباً على مصر في قناة السويس، في العام 1956، ثم كررت الحرب في العام 1967 على الدول العربية المجاورة في سوريا والأردن ومصر، واحتلت الجولان والضفة الغربية وغزة، في عملية توسع، وتحت ذريعة الأمن، وبعد ست سنوات كانت في مواجهة حرب تشرين عام 1973، التي بادر إليها الجيشان السوري والمصري، مما أربك الدولة العبرية وباغتتها هذه الحرب، التي كادت أن تهزم فيها لولا الجسر الجوي الأميركي الذي دعمها في الاستمرار بالحرب، وإعلان رئيس النظام المصري أنور السادات وقف الحرب من جانبه، فبقيت سوريا في حرب استنزاف، ثم في التوجه الإسرائيلي نحو لبنان وإشعال حرب داخلية فيه، وإنهاك المقاومة الفلسطينية فيها، في العام 1975، ثم القيام باجتياح أجزاء من جنوب لبنان سميت “عملية الليطاني” التي أقامت فيه شريطاً حدودياً، لرد صواريخ “الكاتيوشا” عن مستوطناتها كما ادّعت، والتي فشلت في ذلك، مما دفعها في العام 1982 الى توسيع غزوها للبنان نحو 45 كلم، الى أنها تخطت هذه المسافة من نهر الأولي الى العاصمة بيروت وجزء من البقاع والجبل، فكانت لها المقاومة الوطنية اللبنانية بالمرصاد وأنزلت فيها خسائر بشرية ومادية، فرضت على قوات الاحتلال الانسحاب من العديد من المناطق في بيروت والجبل وشرق صيدا وجزين والنبطية وعادت الى “الشريط الحدودي” الى أن تم تحريره من قبل المقاومة في العام 2000، لكنها عادت في العام 2006، الى شن عدوان جديد استمر 33 يوماً، ففشلت في تحقيق أهدافها، وانهزم جيشها أمام صمود المقاومة، وقوة الردع التي استخدمتها في إطلاق الصواريخ على المدن والمستوطنات الصهيونية.
فبعد كل حرب وحصول هدنة، كانت اسرائيل تتهيأ بعد سنوات الى شن حرب أخرى، لأنها من دون ذلك فإن المجتمع اليهودي عرضة للانهيار، وهو المصنف أنه مجتمع حرب بامتياز، وأن الدولة العبرية هي ثكنة عسكرية، وكل مواطنيها في الجيش والاحتياط، وأن أية حرب تخسرها اسرائيل، فإنها وحسب قادتها التاريخيين، تعني نهاية وجودها، فهي مضطرة الى أن تبقي شعبها مشدوداً نحو الحرب، وهي ما تتحضر له، منذ العام 2006، وبعد صدور تقرير لجنة “فينوغراد” الذي عرض للثغرات التي ظهرت في أثناء حرب 33 يوماً، التي لم تشهد اسرائيل مثيلاً لها في حروبها الثلاثة مع الأنظمة العربية في الأعوام 1948، 1967 و1973، بينما في حروبها على لبنان في الأعوام 1978 و1982 و1993 و1996 و2006، فإن اسرائيل استنزفت أمام وطن الأرز، وانهزمت أمام حفنة من الرجال المقاومين الذين أذلوا جيشها وقهروه في لبنان.
ومع توقف الأعمال العسكرية وفق قرار مجلس الأمن الدولي 1701 في 14 آب 2006، فإن إسرائيل بدأت الإعداد للحرب الجديدة، وهي أجرت أربع مناورات حتى الآن، وكان تركيزها على الجبهة الداخلية التي انهارت أثناء حرب تموز 2006، وهي بدأت تعد العدة لعدوان جديد، إذ يقلقها وجود آلاف الصواريخ عند جبهتها الشمالية، كما بدأت تتحدث عن أن سوريا أقامت مصنعاً لـ”حزب الله” على أراضيها يتزود من خلاله، بصواريخ من نوع “أم – 600”، حيث يبلغ قطر الصاروخ 600 ملم ويحمل رؤوساً قتالية بوزن 500 كلغ، ويصل مداه الى ما بين 250 – 300 كلم.
ولا يكتفي قادة إسرائيل بذلك، بل هم يعلنون أن سوريا زودت “حزب الله” بعربات تحمل منظومات صاروخية من نوع GECHOS A- 8.
وذهبت أحد المواقع الإسرائيلية (دبكا) الى الترويج أن إيران ركبت رادارين في قمم جبلي صنين والباروك وهما يستطيعان رصد أي طيران ينطلق من الأرض الفلسطينية المحتلة، وهذا ما تعتبره اسرائيل يشكل خطراً على أمنها القومي، وهي في العام 1981 أثارت مشكلة عندما صعد جنود سوريون وتمركزوا في الغرفة الفرنسية في تلال الزعزور–صنين، حيث يمكن من هذه القمة العالية رؤية قبرص وكل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو ما فتح لها الباب لشن حرب على لبنان في حزيران 1982.
وهذه الحملة الإسرائيلية التي بدأت ضد المقاومة ومن يقف معها في سوريا وإيران، تؤشر الى أن إسرائيل تحضّر لحرب، لا سيما بعد أن وزعت صوراً منقولة عن “غوغل” تشير فيها الى معلومات عن أن “حزب الله” يخزن أسلحة وصواريخ في منازل بلدة الخيام، وقريبة من المدارس والمستشفيات، حيث تم تهديد السكان بأنهم سيكونون عرضة للاعتداء في أية حرب مقبلة، تهدف اسرائيل الى خلق تناقض بين المقاومة ومجتمعها، ثم الى تهجير مبكّر للسكان، والى استمالة البعض منهم الى أن يجمعوا معلومات حول وجود السلاح والإبلاغ عن أماكنه، وهذا ما يفسّر تحرك الوحدة الفرنسية العاملة في القوات الدولية داخل الأزقة والأحياء الداخلية للقرى والبلدات للتفتيش عن ما تسميه مخازن أسلحة زودتها اسرائيل بمعلومات عنها، مما أثار حفيظة الأهالي الذين فوجئوا بدخول “اليونيفيل” الى قرب منازلهم دون تنسيق مع الجيش، وعدم احترام ثقافة وتقاليد المواطنين، والتعدي على الأملاك الخاصة، وهو ما اعترف قائد القوات الدولية ألبرتو أسارتا، بحدوث أخطاء في هذا الموضوع، وتوجه برسالة الى أبناء الجنوب معتذراً مما حصل، مؤكداً عدم تكرار مثل هذه الأعمال التي لا ينص عليها القرار 1701، وحصل تجاوز له من قبل قائد الوحدة الفرنسية الذي نال لوماً من وزير الدفاع الفرنسي هيرفي موران، الذي جاء الى الجنوب قبل فترة، ولمس استقراراً للوضع.
ولقد حاولت اسرائيل وضع القوات الدولية في مواجهة الأهالي والاصطدام بهم، لتغيير قواعد الاشتباك والتحول من الفصل السادس الى السابع، إلاّ أن هذه المحاولة فشلت، بعد أن تم تطويق الإشكالات سياسياً وأعلن لبنان الرسمي والشعبي احتضانه للقوات الدولية، كقوة حفظ السلام وردع اسرائيل، لا أن تتحول عن مهمتها الى أن تكون أداة في يد الدولة العبرية للتجسس على اللبنانيين ومقاومتهم، ومحاولة تجريدهم من سلاحهم، حيث تماهت أطراف سياسة لبنانية مع هذه المحاولة الإسرائيلية التي انكشفت سريعاً.
وبعد أن انتهى سوء التفسير للقرار 1701، بما يخص ضرورة التحرك للقوات الدولية، وفق المادة 12 من قرار انتدابها، بأن تكون دورياتها وتمريناتها من خلال التنسيق مع الجيش، فإن اسرائيل تتطلع الى حرب جديدة، لم تنته في 14 أب 2006، حيث لم ينص القرار 1701 على وقف لإطلاق النار بل وقف للأعمال العسكرية، وهو ما يعني أن اسرائيل تستطيع التذرع بأي ذريعة لتكرار عدوانها، وهي ترتكز على موضوع تسلح “حزب الله” واعتباره يمثّل خرقاً للقرار 1701 لنيل تأييد دولي وتحديداً أميركي لمعاودة المغامرة التي قامت بها قبل أربع سنوات وفشلت، وهي ما زالت تعتقد أنها تستطيع إعادة الهيبة الى جيشها وعودة ثقة الإسرائيليين به، بعد أن فقد قوة الردع التي كان عليها سابقاً.
وهذه المغامرة الجديدة يجري التداول بأن تاريخها قد يكون بعد شهر رمضان، أي في أيلول المقبل وقد أعلن رئيس الأركان الإسرائيلي غابي اشكنازي أن لبنان سيشهد خلاله توتراً على خلفية صدور القرار الظني عن المحكمة الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري واتهام “حزب الله” في العملية، حيث توقف كثيرون أمام كلامه، الذي يوحي فيه وكأن حرباً داخلية لبنانية ستحصل، لا بل فتنة سنية–شيعية ستقوم على ضوء ما سيصدر عن المحكمة، مما يعطي لإسرائيل حرية حركة ضد المقاومة، بعد أن تكون جبهتها الداخلية تزعزعت، وأدارت سلاحها الى الداخل، في معارك شوارع وأزقة، مما يسهّل على القوات الإسرائيلية الدخول الى القرى والبلدات في الجنوب والتوغل فيها بحثاً عن السلاح ومنصات الصواريخ والمخازن.
هذا السيناريو يجري تداوله، وأن التبشير بالحرب يتقدم أمام تراجع السلام، وحاجة اسرائيل إليها، إذ أن استطلاعاً للرأي العام داخل الكيان الصهيوني أظهر أن أكثر من نصف الصهاينة يؤيدون شن حرب على لبنان وغزة، ولا يمانعون أن تشمل سوريا وتمتد الى إيران، طالما أن الهدف هو ضمان وجود اسرائيل، الذي يهدده هذا المحور، وهو ما دفع بالرئيس الأميركي باراك أوباما الى تطمين رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الى أن وجود وأمن اسرائيل مضمونان أميركيا، وهما من صلب استراتيجية الولايات المتحدة، وهو ما لاقاه في الموقف نفسه رؤساء دول وحكومات أوروبية، وعبّر عنه رئيس الحكومة الإسبانية السابق إزنار بالإشارة الى أن الخطر الذي يتهدد اسرائيل هو خطر على الغرب كله، وعلى الديمقراطية.
فهل تتلطى اسرائيل وراء هذا الخطر، وما بدأ يشكّله عليها من امتلاك إيران لبرنامج نووي، ووجود ترسانة أسلحة صاروخية بجوارها في لبنان وسوريا وغزة، ودخول تركيا عنصر تغيير جيواستراتيجي، مما يسهّل على قادة العدو، الحصول على ضوء أخضر أميركي بشن حرب في المنطقة، لإعادة رسمها من جديد لحفظ أمنها ومصالح حلفائها الأميركيين والغربيين؟
الشهران القادمان حافلان بالتطورات والمفاجآت وأيلول طرفه بالحرب مبلول!
Leave a Reply