لم يعد يذكر كيف تحولت تلك الوعكة الى مرض عضال، لكنه على يقين من أنها بدأت في بيروت؛ بدءاً من صراعٍ بيننا فرض علينا ليتحول الى أشنع الحروب الاهلية، ومررواً باجتياح “على وقع النشيد الاسباني” صُُّوِرَ على أنه شفاء من تلك الويلات.
كانت هـذه الصور تمـر مسرعـة أمام عينيه، ولم يكن ليعلم ماذا يحدث..
وتتحرر المدينة، ويبقى رجالها أسيرو لعبة الحرب فعادوا ليقتتلوا فيما بينهم “نيابة عن الآخرين؛ بعد ان رحل أخوهم الاخر” كأن ما حصل ليس كافٍ؛ ونسوا أنهم يقتلونها، انهم سيتركونها غارقة بدمائها “مسلمة كانت ام مسيحية..”. ويعلم عندها ان طريق الشفاء طويل.
وتمر الأيام ويتوقف النزيف، بفضل العوامل الخارجية التي كانت السبب ببدئـه؛ ويبدأ مع أهل بيروت بلملمة بقايا المدينة. كان يظن أنه بدفن اشلائها يدفن تلك الصور.
ولكنه لم يفلح اذ ان الصور توالت من الجنوب وفلسطين؛ ويتواصل الألم حتى يأخذ بنصيحة الطبيب، ويرحل تاركاً وراءه كل صوره ومدنه.
وتفتح له أميركا ذراعيها، ويعيش بعيداً عن بني جلدته المقيمين هناك (ظناً منه انه طريق الشفاء)؛ حتى كان كابوس أيلول “في ارض الأحلام” الذي أيقظه في منتصف النهار.
ويرحل (مجدداً) الى عاصمة العرب في أميركا طامعاً بالأمان بين إخوته؛ وكانت صدمته حين وجد اشلاء بغداد والقدس وبيروت ملقاة في الزوايا، ولا أحد يأبه، راى إخوته يتقاتلون بالكلام عوضاً عن الرصاص.
ويسمع كلمات جديدة أضحكته بادئ الأمر؛ ما بين سني وشيعي، محور الخير ومحور الشر، عملاء أميركا وعملاء ايران التركية؛ شرق اوسط جديد؛ وأبكته عندما أصبحت خبزه اليومي.
ويصرخ بأخوته بأعلى صوته: لا تكرروا أغلاطكم بالله عليكم، ويجيبونه ساخرين: انه ليس تكراراً، انها حقبة جديدة.
يتمتم لنفسه وهو يركض بين الزوايا ململماً اشلاء مدنه، انه المرض ذاته ولكنهم اطلقوا عليه تسميات جديدة.
وينصحه الطبيب بالرحيل مجدداً؛ ولكن أين يرحل، فإن كل مدنه تتشابه، وسيكون المجنون أينما حل، سيظل هناك قتال وان اختلفت عناوينه.
فرأفة بأطفالنا “ونحن من عملوا جاهدين كي لا يروا صور صاحبنا ذاك” اقتتلوا ما شئتم (اخلعوا هذا او نصبوا ذاك اماماً) حتى بالرصاص؛ ولكن لا تُسمعونا أزيزاً ولا ترونا دماء.
انزعوا ما في صدوركم من غل ودعوا بيوت الله لله، حافظوا على تماسك هذه البيوت “كي يبقى ذكر الله”، عل المـرء اذا صلى يشفى.
Leave a Reply