لا أعتبر نفسي كاتبة أو صحافية. بالنسبة لي، الكتابة هواية تساعدني في خفض درجة الاكتئاب النفسي في هذا الزمن الذي تعتبر فيه الكآبة علّة من لا علّة له.
بالصدفة، وفي إحدى المناسبات الاجتماعية، هنا في ديربورن، التقيت بـ”زميل” لي، كما أطلق على نفسه، تجمعه بي الكتابة في بعض الصحف المحلية ولا يجمعني به أي شيء آخر. مشى باتجاهي وقد قوّس كتفيه ودندل أذنيه وأرخى شفتيه وظهرت عليه بوادر البرد والانفلونزا في شهر تموز، وبانت عليه آثار الجوع، وبقية عوارض الازدهار في مملكة الدولار، اذا رآه الإنسان يظنه هاربا من وجه الاستعمار وهو لايزال مضطرب القامة يمشي.
وصل إليّ عاقد الحاجبين فوأوأ وقال: تابعت مقالاتك الأخيرة في “صدى الوطن” وقد أعجبتني كلها الا واحدة. قلت له: أنا نسيت عن أي شيء كتبت في الأعداد الأخيرة. فأجابني: عن أشياء كثيرة ولكن آخر مقال فيها لم يعجبني، ذلك الذي كان موضوعه عن الوطن لبنان وأتباع الطوائف به التي تتحرك بإرادة سواها وأمرها متروك للزمن أو الصدفة فإما يقودها عالم مخلص وعادل أو يمتطيها زعيم غشيم وجاهل وفي الحالتين أمرها مرهون بمن يقودها لمصلحتها أو يمتطيها لمصلحته. أعتقد أن هذا الرأي لم يقله أحد قبلِك.
أجبته: أحسنت. وأنا كتبت هذا الكلام لأنه أصدق ما وصف به المتحدثون أحوال الطوائف اللبنانية ومن ضمنها طائفتنا، وعلى من يخالف هذا الرأي أن يعطيني دليلا واحدا ينقض هذا الواقع التعيس. ولعلملك الوفير الغزير، هذا ليس رأيي أنا، بل هو ما قاله المفكرون القادرون على الملاحظة، الذين لا ينافقون ولا يتملقون ولا يجاملون أناسا تلقوا ثقافتهم من عناوين الصحف والمجلات والاستماع لنقاش التوافه وبرامج الثرثرة والصراخ على الفضائيات. واذا ظننت أن أحدا قبلي لم يقل هذا الرأي، فهذه مشكلتك أنت لأنك لا تعرف شيئا عمن جاء من قبل ولا عمن سوف يأتي من بعد، هذا رأيي مع كل احترامي لك وتقديري وأرجو منك أن ترجع الى العدد السابق من الجريدة وتعيد قراءة المقال من جديد لتفهمه.
انتصبت اذناه غضبا وقاطعني: هذه اهانة لي، فأنا أقرأ وأكتب فهل نسيت أنني كاتب؟؟
أجبته: نعم.. أنت كاتب من فئة بعض الكتّاب الذين يمارسون الكتابة والخطابة قبل أن يتعلموا القراءة ومع كل المحبة أنت واحد منهم، كونك متخصص بالكتابة، فلماذا القراءة وتعب القلب؟ ليش بدك تعمل عملين اثنين في وقت واحد.. نصيحة ارحم حالك!
قريبا، سوف أسليك بحكاية أرجو عندما تقرأها وتفهمها أن تقتنع بأن الكثير منا يمشي كقطيع وديع نتيجة لغبائنا الكثيف، وعدم شعورنا بما ينفعنا أو يضرنا ولعدم قدرتنا على التمييز بين من ينوي لنا كرامة العيش وأمانة المسلك وبين من يجعل منا مركوبا ذليلا يعتليه للوصول الى حيث يريد.
Leave a Reply