ما بالنا نهتم بمهرجانات فنية ورياضية ومسلسلات تلفزيونية أكثر بكثير من اهتمامنا بأوضاعنا السياسية ولاقتصادية والتي لها تأثيرات مباشرة على مستقبل أولادنا ولقمة العيش؟
في آخر زيارة لي للبنان رأيت ككل مرة، تقنيناً كهربائياً لما لا يقل عن ١٢ ساعة في النهار، أقساط المدارس لا تحتمل والمواد الغذائيه تضاعف ثمنها 3 أو 4 مرات. الحياة صعبة والناس تعيد وتكرر أن الأوضاع لم تعد تطاق. وتصل بعض النقاشات إلى حد الصراخ بأن الوضع على كف عفريت وأن صبر الشعب قد نفذ، فيتهيأ لك أن الثورة قادمة خلال أيام لا بل ساعات.
ثم ينتقل الحديث إلى “مكب النفايات” والذي أصبح “أيقونة سياحية” على شاطئ صيدا، وهنا أنتهز الفرصة لأذكر الأصدقاء الذين لم يزروه بعد، إلى زيارته قبل أن “تنتبه” له الحكومة، ولا تنسوا أن تأخذوا الصور التذكارية، كتلك التي أخذها فؤاد السنيورة عند ترشحه لمجلس النواب. بعدها نبدأ بنقاش الخطة التي لم يعلن عنها بعد، وهي كيف ستدفن النفايات في البحر ثم ينفذ “تبليطه”، لتصير نكته “بلطوا البحر” الصيداوية الشائعة حقيقة ملموسة، بعد أن يؤخذ القرار بزيادة مساحة لبنان. وهذا القرار التاريخي ستنفذه مجموعة من المقاولين الوطنيين. يعني، ننتهي من مكب النفايات لنزيد مساحة لبنان الآف الأمتار لبناء مبان جميلة على الشاطئ الصيداوي. يعني زيادة مساحة صيدا العقارية والوصول بلبنان إلى ١٠٤٥٥ كلم مربع. ثم يقطع الحديث أحد الشباب صارخاً: شو ناطرين رح تبلش المباراة.. البرازيل عم تلعب اليوم. يتوقف الحديث فجأة ليتغلب الحب البرازيلي على المطالب المعيشية والنقاش حول المستقبل. يصرخ احدهم: خلص، منكفّي النقاش بعد المباراة. فجأة تتوقف الحياة بانتظار من سيربح.
لقد لعب زعماء الطوائف الدور المطلوب وطنياً، لكن التهييج والتجييش لم يتما إنتصاراً للإنسان والوطن بل للطائفة.. لذلك نرى الناس ينزلون إلى الشارع بمجرد أن يأمرهم مسؤولؤ طوائفهم ودائماً للدفاع عن مصالح الطائفة. التي لم يسأل عن ماهيتها أحد حتى الآن!! يعني لا نفهم معنى مصطلح “المصلحة العامة للطائفة”؟ والحقيقة أنها المصلحة الخاصة لمسؤولي الطائفة. هكذا يقوم فقراء كل الطوائف بردود أفعال دفاعا عن مصالح زعماء طوائفهم.
ورأينا كيف ينزل الناس إلى الشارع مثلاً,، مطالبين بالكهرباء فقط إذا ذكروا بذلك من قبل زعماء طوائفهم في بعض المناطق. والمضحك أن فقراء كل الطوائف هم الذين يدفعون الثمن دائماً. أذكر أن سائقي الباصات الذين ينتمون إلى تيار المستقبل لم يشتركوا بإضراب مع سائقي الباصات اللبنانية الأخرى، وقد صرح بعضهم أن الأوضاع الاقتصادية ممتازة، لا لزوم للمظاهرات!!
الصورة واضحة، تجويع للناس مبرمج وعلى قدم وساق. بعدها دفعهم لأن يعيشوا ممدودي الأيدي ليس لمساعدة أحد، بل لأخذ الصدقة من الذين أوصلوهم إلى هذا الواقع. وعند كل إنتخابات تكثر الصدقات لأن بلدنا الحبيب لبنان يسمح للاهثين وراء كرسي مجلس النواب أن يساعد ناخبيه بأن يصرف عليهم ما يشاء لأنه مع الفقراء. أذكر هنا غباء بعض النواب في مادة الرياضيات، فمعاش النائب لا يتجاوز ال ٩ آلاف دولار شهريا.. أي ما مجموعه ٤٣٢٠٠٠ دولار لمجموع سنواته في المجلس النيابي علماً أن بعضهم يصرف ما لا يقل عن ٣ أو ٤ ملايين دولار في الحمله الانتخابية الواحدة. والله سبحانه وتعالى أوصى الإنسان بأن لا يقهر الفقير ولا ينهر السائل وبأن يحدث بنعمة ربه, والحمدلله أن لدينا نوابا مؤمنين بالله وباليوم الآخر.
ان البحث يجب أن يناقش جوانب الخلل التي تفرض على الناس أن تقبل بفقرها والعيش على حافته دائماً في مجتمع ترى فيه، إما الغنى الفاحش أو الفقر المدقع. من الواضح أن الناس لا ترى في التظاهر والاحتجاج أي فائدة، لذلك تراهم يلهثون وراء لقمة العيش غير آبهين. لا لأنهم غير مهتمين بل لأنهم لا يرون، “مصلحة” لهم في ذلك. من المسؤول؟ وكيف يمكننا أن نعيد تصويب المسار بشكل يساعد الناس أن يكونوا في قلب ما يجري من تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على حياتهم وأن يكونوا هم من يصنع مستقبل بلدهم؟
لا شك أن أن هذا الموضوع هو ثقافي بامتياز، ويجب أن يتحمل أعباءه المثقفون الحقيقيون. وأنا هنا أقصد الناس الذين يجب أن يقودوا الناس وأن يكونوا الطليعة. لكن عليهم أن يبدأوا بأنفسهم لأن شعبنا الطيب فقد الثقة بهم. يعني فليبدأ المثقف الطليعي بمحاربة مدعي الثقافة والتشهير بهم ودعوة بعضهم أن يتوقف عن الكذب والرياء وخداع الناس. فمعظمهم يقول شيئا ويفعل عكسه. ونحن جميعاً نعرف حقيقة انتماء شعبنا ووقوفه مع حق الشعوب في كل العالم. نحن بحاجة إلى قيادة شبابيه تعيد الثقة للناس،نحن نحتاج إلى قيادات تقول ما تفعل وتفعل ما تقول. فلتكن دعوة مفتوحة لكل صاحب قلم حر أن يقول الحقيقة، وأن يعترف بالخطأ، لأننا جميعا نخطئ.
بقي موضوع مهم أود أن أشير إليه، ففي لبنان هناك خصوصية المقاومة والتي انتصرت على إسرائيل، وهي ليست كأي مقاومة موجودة في العالم. لم تستلم السلطة بعد التحرير لأن في بلاد الأرز خصوصية الطوائف الكريمة التي لا ترتاح حتى يرتاح آخر إبن من أبنائها الكرام. لم ترد المقاومة أن يقال أن هدفها هو السلطة. فحصرت كل اهتمامها بالدفاع عن لبنان. وقد استطاعت أن تهزم العدو الصهيوني، ليس بالسلاح فحسب بل باستخدام العقل والعمل الجاد واليومي. لذلك، فإن ثقة الناس واحتضانها للمقاومة كانت من أهم العوامل التي أدت إلى إنتصاراتها.
أردت أن أسجل موقفا هنا، مفاده أننا لا يمكن إلا أن نكون مع المقاومة في الدفاع عن لبنان وفي تحرير ما تبقى من الأرض المحتلة، ونحن مع تجنيد كل الطاقات لتحرير الأرض، الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية.. ألخ، لكننا نلفت الانتباه إلى أن تحرير الأرض غير كاف إذا لم يستكمل بتحرير الإنسان، لأن لا نفع لأرض محررة بدون إنسان يعيش بكرامه في دولة تحترمه وتؤمن له الحد الأدنى من العيش الكريم، والمقاومة ثقافة. يعني نعم للمقاومة حتى الحصول على ضمان الشيخوخة والضمان الصحي والعدالة الاجتماعية. كل ذلك يستوجب مقاومة. فالمقاومة ثقافة لتحرير الإنسان. هكذا نفهمها وهكذا نريدها أن تكون.
ما هو تأثير ما نقوم به على الناس يوميا؟ هل يثق الناس بنا؟ إذا كان الجواب بالنفي، لنسأل: لماذا؟ ونضع الأجوبة على الطاولة.. نأخذها واحدا واحدا، نشرحها ونحللها إلى أن نصل إلى مكمن الخلل، وعندما نصل، نبدأ بأنفسنا. وإذا كان ما نفعله أو ما نكتبه أو ما نقوله لا يؤثر في حياة الناس، الأجدى بنا أن نعيد النظر به ونسأل: لماذا نحن موجودون في موقع القرار؟
ملاحظه أخيرة وهي أنه وبينما كان الشعب اللبناني بكافة طوائفه وأحزابه وتياراته وسوبرماركتاته ودكاكينه ونواديه وكل المقاهي وطبعاً ممثلاً بكل أطياف الوطن الحبيب شباباً وشابات…وبينما هم جميعاً منشغلون بالمونديال، نسوا أن المقاومين في الجنوب والذين هم شباب هذا الوطن كانوا يسهرون على أمنهم، يدهم على الزناد، في جهوزية أكثر من كامله كما يقولون، ولولاهم لما كان هناك في لبنان مونديال ولا من يمندلون
Leave a Reply