مشكلة بنيوية كبيرة في “عدم الوطن” المعمول بها وسط فرقة “١٤ آذار” للتفرقة الوطنية والمذهبية، تتمثل بقاعدة “إقرأ تفرح، جرب تحزن”. قد يظن هؤلاء أنهم بهذا الغشاء يضحكون على الناس لكنهم لا يضحكون إلا على أنفسهم!
كما هو متوقع بعد كل خطاب للسيد حسن، يطلع علينا “شي بروؤس وشي بلا رؤوس” للرد والتفنيد-بنظرهم- لكل ما ورد فيه من حقائق وأدلة دامغة فيتناولون الشكل وليس المضمون فيحورون ويدورون حول الموضوع من أجل المراوغة وإضاعة الفحوى وزبدة الكلام. يريد هؤلاء الزمر إيهامنا أن هناك فصلاً بين رئيس الحكومة والتابعين له، حسب القاعدة المتبعة في غرف التحقيقات البوليسية في أميركا “الشرطي الجيد” و”الشرطي السيء” ( good cop bad cop). فبينما يتصرف سعد الحريري وكأن الأمر لا يعنيه عندما يذكر السيد نصرالله أنه أبلغه مضمون القرار الظني للمحكمة الدولية (الشرطي الجيد)، تسن فرقة “الدنيا هيك” كل أسنانها وتركب أعلى ما في خيلها وتعتمر “باروكة” الحرب لإثارة الغبار الكثيف وذر الرماد في العيون (الشرطي السيئ). لكن مثل كل مرة، باءت محاولة هذه الفرقة بالفشل السريع وهي تحاول الإدعاء أن الحريري لم يعلم بالقرار الظني لمحكمة “أشكينازي-لارسن- السنيورة-جوني عبدو” الدولية، بل أدلى بمجرد تحليلات ومعلومات صحافية عندما تحدث عن الموضوع. والسؤال الذي يطرح، هل كانت فرقة “الدنيا هيك” حاضرة هذا اللقاء؟ فإذا كان الجواب بالنفي، وهو نفي، فمن الشخص الذي هو “أصدق إنباءً من الكتب” في هذه المعادلة؟ العلوش أم الفتفت، “ملك الشاي السنيوري”، أم “خريج الحبوس”؟ أم القائد الذي يصدقه حتى الإسرائيليون أكثر من قادتهم؟ أعتقد أن لا مجال للمقارنة هنا!
فتفت ذهب أبعد هذه المرة وتحدى إبراز أي دليل أو قرينة حول التلاعب بالشهود. ولكن ماذا عن القرينة والأدلة الدامغة التي قدمت لإدانة سوريا، أين هي اليوم؟ بل أين الأدلة والإثباتات التي سجن من أجلها الضباط الأربعة قرابة أربعة اعوام؟ وكيف لا يكون إختصاص المحكمة معرفة من ضلل التحقيق عبر فبركة شهود الزور؟ ولماذا ضلل التحقيق؟ هل لأن المضلل، مثلاً، قد يكون على معرفة بالقاتل ويريد أن يصرف عنه الأنظار والتهم؟ مسألة بديهية جداً! وإذا لم يبلغ سعد الحريري أحداً بالقرار الظني، فكيف علمت به “دير شبيغل” و”لوفيغارو” ودستة من الصحف الأميركية، إضافةً إلى أشكينازي وجعجع وصغار “١٤ آذار”؟ وما هذه المحكمة التي لم تقدر أن تحافظ على السرية المطلقة في التحقيق والمهنية القانونية؟ ولماذا لم تمنع التسريبات أوتفتح تحقيقاً بالمسربين على أقل تقدير؟
نحن نريد معرفة الحقيقة أكثر من غيرنا من أجل الرئيس الشهيد أولاً، وثانياً من أجل كشف الفاعلين الحقيقيين الذين وضعوا البلد على حافة الهاوية لخمس سنواتٍ خلت. يجب أن يجري التحقيق مع ميليس “النمس” المزور، ومع كيفية تهريب السنيورة للمحكمة مختزلاً السلطات الثلاث بنفسه. بسبب السنيورة استلزم صدور قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1757 يوم 30 أيار 2007 في نيويورك واللجوء إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. فذلك الفصل يتيح للمجلس تخطّي السيادة اللبنانية وإلزام الجمهورية احترام مقتضيات اتفاق دولي لم يقرّه مجلس النواب اللبناني. الاتفاق الدولي الذي بني نظام المحكمة الدولية على أساسه، بقيت آخر صفحة منه من دون توقيع الى جانب عبارة “عن الجمهورية اللبنانية”، كما أكد الصحافي والخبير القانوني عمر نشابة. من يراقب عمل هذه المحكمة الموبوءة منذ قيامها؟ ومن يراقب كيفية إدارة تحقيقاتها؟ ومن يضمن نزاهتها وعدم إنحيازها (ليس على طريقة القضاء اللبناني العادل طبعاً).
ثم ما هذه الإزدواجية في التعامل؟ سعد الحريري بنى، على ما قيل لنا، علاقة طيبة و”كويسة” مع الرئيس بشار الأسد وسوريا بعد تكفيرها وإتهامها بكل أنواع الموبقات، لكن جمهوره ليس على نفس الخط. سعد يسعى لعلاقة جيدة مع المقاومة، حليفة سوريا الصديقة الآن، لكن ألسنته من الأبواق الإعلامية إلى نوابه الشتامين، لا يتركون للصلح مطرحاً! سعد يحافظ على علاقة حميمة مع وليد جنبلاط، لكنه لا يستغني عن سمير جعجع الذي يصرح ويتهم الشرفاء بالفتنة من على باب السراي التي تبوأ رئاستها يوماً المغفور له الرئيس رشيد كرامي.
هل هناك أصابع سنيورية تدير اللعبة، كما تبين لنا من خلال مؤتمر “المستقبل” الأخير؟ كيف نقف مع سوريا وجعجع معاً؟ كيف نسمح للعقل الجهنمي ليضع العدالة في مواجهة المقاومة، كما قال طلال سلمان؟ بل كيف نسمح لفكرة جهنمية مجرد أن تعبر والتي تتلخص بأن تسعى إسرائيل، من باب القرار الظني للمحكمة الدولية، أن تعلن الحرب على لبنان وتمعن في تخريبه بواسطة الفتنة المذهبية من أجل مخطط تنصيب سمير جعجع رئيساً للجمهورية وهو الذي كان يروج له في مصر وفرنسا بموافقة البطرك؟ هل كل هذا لتسويق جعجع دولياً؟
بئس أمة تعاقب مقاوميها الذين شرفوها بدمائهم الطاهرة بعد عجز أشباه الرجال وخيانتهم، وبئس نظام “شبه لهم أنه وطن” يتآمر على من أعطى لبنان مجده وكرامته وعزته ومنعته!
Leave a Reply