بدأت هجرة العراقيين الى الولايات المتحدة الاميركية في مطلع التسعينات حيث كانت الدفعات الاولى قادمة من مخيم رفحاء في المملكة العربية السعودية ثم تلتها وجبات اخرى قادمة من الجمهورية السورية وقليل من المملكة الاردنية.
لاشك كان الجميع يشعر بالارهاق والتعب والخوف من بطش الجلاد، الكل تنفس الصعداء بعد هذا المسير المعقد والشائك والكل يحمل في صدره قصصا من المأساة تصلح لتكون كتاباً كألف ليلة وليلة.
تجمع العراقيون، وأنا واحد منهم في ولاية ميشيغن التي اخذت النصيب الاكبر من القادمين الجدد حيث يفوق عددهم العشرة الاف مهاجر، لكن السؤال الذي يدور في خلد الكثيرين؛ ما الذي حققته الجالية العراقية في ميشيغن بعد هذه السنين الطوال؟
ربما سوف ينبري البعض لهذا السؤال لكي يرد، وبالتأكيد اي رد سوف يكون مقبولا، لكن اتمنى قبل ان نرد أن نتأمل في الانجازات التي حققناها.. ماهي الانجازات التي تكتب في تاريخ الجالية العراقية؟
يكتب للجالية انها اسست مركزاً اسلامياً منذ منتصف التسعينات ولا يزال هذا المركز يفتقر للاليات المتبعة في المراكز الاسلامية الاخرى كانتخاب اعضاء ورئيس مجلس.. يعني بين قوسين “لا ناس تروح ولا ناس تجي”.
الجالية التي تعيش في هذه الارض ما يقارب السبعة عشر سنة عقمت ان تنجب لنا عشرة اطباء وكان من المفترض ان يكون هناك ثلاثون طبيباً او اكثر. عجزنا ان يكون من بيننا مهندسون من الجيل الجديد او سياسيون او محامون او متنفذون او وجهاء للتواصل مع المجتمع الذي نعيش فيه.
مؤلم كثير حينما نجد ان الجالية التي تعيش منذ ذلك الزمن البعيد ليس لها أي مؤسسة قانونية او اجتماعية ترعى وتدافع عن حقوقها المشروعة والتي كفلها القانون العام في هذه البلاد.
الاسباب التي ادت الى فشل الجالية كثيرة، وعناوينها متعددة، احاول ان الخص ما هو عالق في ذهني لكي يؤول الامر الى المتحركين والناضجين ليصلحوا ما افسدته الايام.
السبب الاول هو ضعف الامكانات العلمية والادارية، ولا يمكن لمجتمع ان ينهض بعقل غير ناهض كما يقول المرحوم الدكتور محمد عابد الجابري.
قلة التشخيص. واعني اننا اهملنا بعض الشخصيات التي كان من المفترض ان تتصدر الجالية وأوكلنا الامر الى بعض الفارغين ذهنياً.
الكثير من المتطفلين او النزقين الذين حاولوا ان يكونوا في كل محفل لاطم مع اللطامة وراقص مع الراقصة تجدهم في كل مفاصل الجالية همهم ان يشار لهم، والمشكلة ان ليس عندهم شيء يقدمونه للجالية.
ابتعاد او انزواء بعض الرجال الاكفاء هو الذي مهد للطحالب التسلق على اعناق الجالية.
والشيء المهم هو ابتعاد الجالية العراقية عن محيطها العربي والاميركي ويصعب على الجالية ان تقوم اذا لم تستفد من خبرات الاخوة العرب والذين حققوا نجاحات وانشأوا مؤسسات كبيرة ولهم جسور ممدودة مع المجتمع الاميركي. خبرة الجالية العربية لايمكن الاستغناء عنها او تجاوزها ويجب على العقول المتحركة في جاليتنا العراقية ان يمدوا اكثر من جسر للتعارف وان يزيلوا تلك الغيوم المصطنعة والحجب الموضوعة بين جاليتنا والجاليات الاخرى.
التقيت قبل فترة رجلا ًكبير المقام من رجال الجالية العربية وعاتبته على الصدود والكشح الذي يقدموه تجاه الجالية العراقية، فاجابني بما لا يقبل الشك ان الجالية العراقية هي التي ارادت الابتعاد عنا، وقال “ان بعض الذين يدعون الجالية العراقية الى الابتعاد عن الجالية العربية يأتون الينا ويسلمون علينا ونجلس معهم والسبب معروف في دعواهم الى ان تكون الجالية العراقية بعيدة عن واقع الجالية العربية! ليس عندنا اشكال في ان نكون مع الاخوة العراقيين وعندي الاستعداد ان اذهب اليهم لنتحاور ونتعاتب اذا بدك” (هكذا قال الرجل).
الشيء الاخر الذي سلك بنا ظلام الجهل هو قلة المحافل التثقيفية كالندوات والامسيات الثقافية التي تحمل اراء وتصورات مغايرة. فافتقارنا الى هذا الجانب صعد من امكانيات “رجل الدين” (الريزخوني) الفارغ شكلاً ومضموناً والذي لا يملك مؤهلات العلم والخطابة همه ان يكيل التهم و يشعل نار الاحقاد بين ابناء الدين الواحد او المذهب الواحد والمشكلة ان معلومات بعضهم تستدعي الضحك او الذهول من هول ما يطرحونه.
هناك اشياء اخرى ربما لا اود البوح بها في هذا المقام لكني اتركها للزمن ولعل ذلك الزمن الذي ننتظره يتغير فينجب لنا غير هذا الذي نراه. يغمرني الامل ان شيئا ما سيتغير، او يجب ان يتغير لكي تنجلي سحب الظلام. اتمنى ان لا يكون هذا بعيدا.
Leave a Reply