أبلى العماد جان قهوجي بلاءً حسناً منذ تسلمه قيادة الجيش لأنه ثبت بوصلته وعقيدته القتالية ضد العدو الخارجي الواحد الأوحد الذي كان وما يزال يعتدي على حرمة وكرامة البلد وينتهك سيادته (أين ابطال الحرية والسيادة والإستقلال اليوم؟) منذ قيام الكيان المصطنع في فلسطين، ويتخذ قرارالسلم على مقاسه، والحرب والمجازر والخراب والدمار والتهجير وزرع القنابل العنقودية والجواسيس والعملاء وسرقة المياه اللبنانية وأحلام أطفالنا ودماء كبارنا. العماد قهوجي لم يسمح بتحوير ايديولوجية الجيش وإستدارة البوصلة لكي تعود إلى الماضي البغيض، كما أراد البعض، حين كان الجيش حامياً لإمتيازات الطائفة المالكة فقط ومكسر عصا لها للحفاظ على النظام الطائفي العنصري ضد الفقراء واللاجئين والعمال، ولم يقبل بجعل دور الجيش يقتصر على الدفاع المدني في الداخل وفض الإشتباك المذهبي وتسيير الدوريات والمواكبات الأمنية. بل لم يجد قهوجي غضاضةً في كشف وتطهير الجيش من كبار الضباط الذين أدينوا بالتعامل مع إسرائيل (آخرهم فايز كرم الضابط السابق)، بعكس عادة قواد سابقين، وفي اصطياد إستخبارات الجيش لجواسيس في مواقع حساسة جداً أدت إلى إيقاع شهداء وفتن وخضات أمنية. لكن الفضل لهذا الإنجاز الوطني المحوري، بعد الله، يعود أيضاً إلى المقاومة والعماد أميل لحود وسوريا والقوى الوطنية رغم كيد أصحاب الكيانية.
يوم ٣ آب ٢٠١٠ سيذكره التاريخ بأحرف من نور وسيزيل كل مآسي ومخلفات الماضي منذ “إتفاق القاهرة” الشهير إلى تقديم “شاي فتفت” في ثكنة مرجعيون. لقد إختلط الدم المسلم-المسيحي بشهادة الرقيب عبدالله طفيلي والرقيب روبير الياس العشي ومصور صحيفة “الأخبار” عساف بو رحال إضافة الى الجرحى من الجنود وإعلامي قناة “المنار” علي شعيب. معمودية الدم هذه في قرية “العديسة” الحدودية احرقت كل ما رماه سحرة ساسة الكيانية وما يأفكون من مواقف محاذية وموازية ومجاورة ومساوية لمواقف إسرائيل، عن قصد أو غير قصد. لقد أبرزت هذه المجزرة الإسرائيلية الجديدة المعطيات التالية:
أولاً، الخير فيما وقع رغم تقديم الشهداء أعز ما يملكون في وجه عدو غادر بعد يومين على عيد الجيش وفي عز الذكرى السنوية الرابعة للإنتصار، لأن الجيش حاز مجدداً على ثقة الشعب واجتاز امتحان الدم فأكرم ولم يهن. من يذكر عندما كان الجيش اللبناني في قبضة إبراهيم طنوس إبن خالة أمين الجميل، أثناء عهده السيئ الذكر، وممارساته الحزبية التي أدت إلى “إنتفاضة السادس من شباط”؟ بل قبل ذلك، عندما أرسل الجيش إلى الجنوب في عهد إلياس سركيس الخامل وسنيوره فؤاد بطرس (إذ أن لكل عهد سنيوره)، عندما اوقفته إسرائيل في كفركلا فجمد هناك عاجزاً عن التقدم خطوة واحدة؟ أوحين إنشطر الجيش إلى فريق عميل للمحتل وحارس لحدوده ثم سقط زبانيته، وأكبرهم عقل هاشم الذي نعته “ما يسمى” بالبطرك شهيداً؟!
ثانياً، إسرائيل في ورطة حقيقية جدية تكاد يجن جنونها منها وكل ذلك يعود فضله للمقاومة. لقد ذهب، إلى غير رجعة، اليوم الذي تتصرف فيه إسرائيل من دون وازع أو خوف من رد بعدأن تهكمت طويلاًعلى وطن “الحائط الواطي” بسبب نظرية “قوة لبنان في ضعفه” العبقرية. شربت إسرائيل “حليب السباع” بعد غاراتها على غزة المحاصرة وظنت أنها، كالسابق، بإمكانها أن تدمر مطار بيروت وتغتال قادة في قلب شارع “فردان” من دون محاسبة، لكنها وجدت أن قطع شجرة سيؤدي إلى إجتثاث عروق “اسطورتها” هي و”جذورها” في لبنان، وأنها عندما تقتل بدمٍ باردٍ، سوف تتعرض للمثل كمقتل قائد كتيبة برتبة مقدم على الأقل. إسرائيل لا تعرف شيئاً عن عدو يقوى عوده مع صياح كل ديك (ليس ديك “نهار” نائلة تويني المنحاز) برغم كثرة الجواسيس وخبراء الإتصال الخليوي وعيون ارغش، (بالمناسبة ماذا حصل للقواتيين هناك مطلقي النار على مواطنين مصطافين، الذين كشف الجيش ان بحوزتهم أسلحة إسرائيلية ومناظير ليلية؟). كما أنها غير قادرة على الحرب مستعيضة عنها بفتنة المحكمة الدولية وقرارها الظني لكنه بدأ يتبخر أمامها أيضاً كالهواء بعد هجوم المقاومة وكشفها لخيوطه الجهنمية.
ثالثاً، تبين بالدليل القاطع مشاركة القوات الدولية (اليونيفيل) في المؤامرة حيث وقفت على الحياد كشيطان أخرس إزاء إنتهاك إسرائيل الفاضح للسيادة اللبنانية فدورها، كما صرحت ميركيل مستشارة ألمانيا منذ البداية، هو لحماية إسرائيل. هذه القوات، التي انهت لتوها تدريبات غير مصرح بها من أصحاب الأرض والجيش اللبناني للتصدي لإمكانية اطلاق صواريخ على إسرائيل وكادت أن تحدث مغامرة غير محمودة، تحولت إلى شاهد زور دولي كشهود الزور في قضية محكمة “لارسن- جوني عبدو – اشكنازي – جعجع” الدولية.
رابعاً، تصرفت المقاومة بإنضباط مدهش واضعة نفسها بتصرف الجيش، مما يدحض مزاعم صغار “14 آذار” وسمير جعجع بأنها مرتبطة بالملف الإيراني النووي. لو كان هذا صحيحاً، لاستغلت المقاومة التصرف الإسرائيلي الأرعن وأعلنت الحرب بعد توسيع إسرائيل نطاق اعتدائها، بل قبل ذلك عندما كانت تخرق المجال الجوي اللبناني وتنتهك سيادته يومياً. كما أفرغت إسرائيل مضمون المزاعم بأنها تجد ذرائع لاعتداءاتها في كل مرة ولو لم تكن هناك مقاومة لما اعتدت إسرائيل علينا أصلاً! حتى “المطارنة” في بيانهم لم يذكروا إسرائيل بالإسم ولو مرة واحدة ووصفوا أعتدائها بـ”الأحداث”.
خامساً، رغم أنف جعجع والسنيورة أيضاً ومن لف لفهما فإن معادلة الشعب والجيش والمقاومة قد اثبتت فعاليتها وصدقيتها على الأرض في الجنوب. إلا أن تصاريح “الأمانة السامة” وأعضاء فرقة “الدنيا هيك” كانت تقطر خبثاً عندما غلفوا ثناءهم للجيش بالتصويب على المقاومة التي إستنكر جعجع تهديدها بقطع يد إسرائيل إذا إمتدت للجيش. كيف سيكون شعور جعجع يا ترى لو إتسع نطاق الإعتداء الإسرائيلي ليشمل مواقع الجيش الثابتة على طول الحدود، كما ذكرت صحيفة إسرائيلية حول نية كهذه؟
لقد تحققت ميدانياً نظرية أن الجيش والمقاومة يكملان بعضهما البعض كتوأمين منسجمين وأن الذي تنبأ فيه أحد القادة بأنه سيأتي اليوم الذي ستشتكي فيه إسرائيل لبنان لمجلس الأمن، قد تحقق فعلاً بعد أن كان حلماً وأضغاث تمنيات.
Leave a Reply