في مقتبل العمر، تخلى صديقي عن روحه باحثاً عن الحياة وأشياء اخرى..
تعثرت به.
لم يلق لها بالاً أول الأمر؛ حيث كان يظن بـ”رعونة الشباب” أنه بصدد إرساء قواعد حياتية لم يسبقه أحد اليها من قبل.
وكان يعتبر أن ما لديه من معرفة (وما أوتي منها الا قليلا) كفيل بأن يريه جوانب الحياة بأكملها ليبدأ بعدها مرحلة التنظير والأستذة.
ولكنه لم يكن يعلم أن ما بداخله من موروث كان يتحكم بدفته كيفما اتفق وإلى غير وجهة تذكر.
فتارة يكون ذلك اليميني العالق داخل النص، ويقول إنما الحياة متاع الى حين؛ وأخرى يكون ذاك اليساري العالق بين المطرقة والمنجل، ويقول “على حسابه الشخصي” إنما العدل للجميع..
وكان يتعب من كثرة الجري وراء عناوين فضفاضة توجع الرأس وتوهن الجسد؛ ليعود ويلقي نفسه في قلب المأساة.
مأساة الحياة التي كان يريد تحويلها- كما يفعل الكثيرون في عنفوان الشباب- الى مدينة فاضلة، ويا ليته لم يقرأ الفارابي أو أفلاطون المعلم.. ويفشل.
يفشل، كما فشل الكثيرون منا، لأننا نتصارع على الحياة، لا لأجلها؛ يأخذ من عناوينها (الكثيرة) ما يوافقه هو، ليوهم الناس بأن الحقيقة توجد على شفتيه وحده..
/
وكان في انتظارها قبل موعدها..
/
هي التي سمع صوتها قبل ان تطرق أبوابه، من كانت تمد له يدها عند كل هبوط، من كانت موته المشتهى (حين أراد ذلك)، ومن كانت زهر الكولونيا حول بركته (حين أراد ذلك).
كان يشتكي من أنه كان يراها في كل الجهات.
وكنت أحار أأحسده ام أشفق عليه؟!
حتى كان اليوم الذي دعاها فيه لتأخذ بيده (الى أماكن، أخبرته أنه لم يرها من قبل).
وكانت دنيا جديدة مليئة بالألوان..
ألوانها التي كشفت له جمال العالم؛ من حيث لا يدري؛ وأرته جمال الربيع الذي كان يراه بداية أخرى للخريف، أرته جمال الدين الذي كان يراه طريق الكفر؛ أرته جمال الروح حتى لو كانت فانية.
كان كالطفل الذي يتلقف هديته مرحا، كأول قبلة لمراهق.. كأب لأول طفل.
يرى الفرح ممزوجاً بالقلق.
قلقه لرحيلها قبل موعدها (الذي لم يمتلك جرأة مواجهته) قبل أن تاخذه الى حيث الصفاء، حيث يتسع المدى لروحيهما، حيث تذوب الجهات..
/
فليذهب.
/
سأدعو لك صديقي، وأدعو لنفسي، ان تصوم روحك قبل جسدك في هذا الشهر الفضيل.
علك تسكن مدينتك الفاضلة، وتعود لتخبرنا بفضائلها.
واعلم ان روحها تنتظرك عند كل مغيب، فلا تتأخر.
وكل عام وأرواحنا بألف خير.
Leave a Reply