التجسس مستويات وأنواع. أو لنقل: التجسس أشكال وألوان، فمنه الفردي ومنه الجماعي، ومنه المرضي ومنه الوظيفي، ومنه الساقط الحقير، ومنه الوطني الجليل. والتجسس الفردي.. أساسه عقدة نفسية تدعى “عقدة التلصص”، يقوم صاحبها بالتنصت والتجسس على أهله وأقاربه من وراء ثقوب الأبواب، أو التلصص على الجيران عبر البرندات، أوشبابيك الحمامات، أو من وراء الستائر، أو التلصص على أصدقائه ومعارفه كلما سنحت له الفرصة. وأما التجسس الوظيفي، ففيه يقوم “الجاسوس” بالتنصت والتلصص على زملائه في العمل وجيرانه في الحارة وأقاربه في العشيرة وينهمك صاحبه بكتابة التقارير الأمنية عنهم وإرسالها إلى الأجهزة الأمنية المتخصصة التي تقوم.. “بعملها على أفضل وجه، وبالطريقة التي تعرفونها!”.
والتجسس نوعان، منه القديم ومنه الحديث. وفي الموديل القديم الذي بالأبيض والأسود يتظاهر الجاسوس بأنه يقرأ في الجريدة عند مرور “الضحية”، على أساس.. أنه من غير الممكن أن تثير الجريدة انتباه أو شكوك أحد. (أما الآن فقد صار المنظر لافتا جداً. منظر شخص يقرأ في “الجريدة الرسمية”!)
أما في الموديلات الحديثة وآخرها “التلصص” الفايسبوكي، وفيه يقوم المتصفحون الفايسبوكيون بالدخول إلى “صفحات” الأصدقاء والاطلاع على أخبار “أصدقائهم” وصورهم ودردشاتهم وتعليقاتهم بدون أن يتركوا أية علامات أو آثار، أو حتى عبارة.. Likes that.
وهناك بالطبع التجسس من أجل الأوطان وحمايتها من الأعداء، وفي هذه الحالة يكون الجاسوس بطلاً وطنياً إذا كان يتجسس على أعداء شعبه، و أشهر هؤلاء الجواسيس في هذا المجال المصري رفعت الجمّال الذي تم تحويل قصته إلى مسلسل مشهور،عُرف باسم “رأفت الهجّان”.
وأما إذا قبض على الجاسوس .. الذي من لحمنا ودمنا والذي باعنا للعدو، فيصير اسمه عميلاً، والعملاء (في منطقتنا) كثيرون، ومرتاحون، ومتبحبحون، وآخرهم العملاء “اللبنانيون” الذين تم القبض عليهم في الآونة الأخيرة المجندون لخدمة إسرائيل.
ومعروف في عالم الجاسوسية أنه يوجد عملاء مزدوجون، ويوجد في عالم الوطنية والمزاودات وطنيون مزدوجون، وبالمناسبة.. لدينا الكثير منهم في ديربورن.
والجواسيس والعملاء موجودون لدى جميع الشعوب، وعلى مرّ الزمان والتاريخ. وقد عرفت جميع الأمم هذا النوع من الأشخاص. وكنا قد رأينا بالصور، وفي مقاطع فيديو، بعض العملاء الفلسطينيين الملثمين الذين يقودون جنوداً إسرائيليين للتعرف على بعض الوطنيين والثائرين الفلسطينيين. كما شاعت في فترة من الفترات عمليات الاقتصاص وقتل العملاء خصوصا أيام الانتفاضة الأولى.
ويعتقد البعض أنه يتم تجنيد العملاء عن طريق رشوتهم، أو ابتزازهم عبر أسرارهم الشخصية والتهديد بفضحها (ويعتقد انها جنسية في معظم الأحيان بتأثير من الأفلام المصرية من الدرجة الثالثة)، وقد يكون هذا الأمر صحيحاً، وفي بعض الأحيان يكون الأمر أبعد من ذلك. ومن المثير للاهتمام والبحث أن “عميلا” من وزن السياسي والعسكري المتقاعد فايز كرم، ليس بحاجة للمال أو للجاه، وربما ليس لديه ما يخجل منه، فلماذا فعل ما فعل؟!
وللعملاء والجواسيس تسميات مختلفة، فقد كان العرب يسمونهم بـ”العيون” وفي اللهجة المصرية يسمون “البصاصين” وفي اللهجة السورية يدعون “الدواسيس”.
أما أطرف تلك التسميات فهي التسمية الكردية، إذ يطلق أكراد سورية على العملاء والجواسيس والمخبرين والبصاصين والدواسيس لقب.. “الجحوش”!
Leave a Reply