يأخذنا الربيع بالوانه الزاهية، ووعوده الممتلئة بالحياة والغد حتى يكاد ينسينا انه ولد من رحم الشتاء.
ونأخذ مع ولادته بطرح كل معاطفنا الشتوية جانبا، ونمني أنفسنا بأننا لن نعود إليها ، ونعلم إننا لعائدون…
ونمتلئ حتى الزلعوم بنشوة الغد الآتي، لدرجة ننسى، أو نتناسى فيها الأمس.
أمسنا الذي يحتوي جذورنا ويعصمنا من الضياع. الذي علمنا كيف نتتصر عليه لأجل غد أفضل؛ غـدٍ لا نحتاج فيه الى المعاطف حتى في أشد أيامنا صقيعا.
حتى كان اليوم الذي أصبح فيه ربيع قرطبة خريفاً؛ هو الذي أضاء ت شمسه على الانسانية جمعاء، والذي أنسانا دفـؤه سنوات الصقيع القادمة؛ حين أخذت ريشتنا بتلطيخه باللون الرمادي..
حين عجزنا عن النطق بالشفافية القاطعة للأسود أو الابيض، ومزجنا بينهما حتى أخذنا نتصرف برمادية مبهمة -التي ستعيدنا قطعاً الى ليلة سوداء سقطت فيها قرطبة-.
وأصبحنا رماديي الهوى (إلا فيما ندر) نلون ما شئنا بالرمادي المحبب؛ فترانا نبارك سقوط بغداد ونشد على يد غازيها، نصمت أمام دماء بيروت وغزة، نلثم يد الجائر،وندعو عليها بالقطع..
ونقول، وبالرمادي طبعا، ليس منوطا بنا فصل تلك الألوان، فلندعها الى أصحاب الشأن منا أو أولياء الامور، ونغفل (وهذا دأبنا) أن أولياءنا اما راضون بهذا، او خائفون من النطق بغير الرمادي.
ويتألم الكثير منا حين يرى الرمادي يحجب عنه غده.. مستقبله الناضح بألوان قوس قزح.. ربيعه الذي يجب أن ينسيه كل خريف عاشــه حتى اليوم.
ولكننا سنظل نحيا على امل حياة ننشدها في ربيع سيطل علينا لا محالة، لنلون قرطبة أينما وجدت، بكل ألوان الماضي الباهرة ونجعل كل أيامها ربيعاً، وننسى كل خريف مر عليها منذ خريفها الاول، لنطلِّـق الرمادي بكل ثلاثة نطقنا بها منذ ان عقد القران، علنا نقف مع كل قرطبة جديدة قبل ان نردد قول ابي البقاء الرندي في رثائها:
لمثل هذا يبكي القلب من كمد
ان كان في القلب اسلام وإيمان
Leave a Reply