يقول المثل العراقي “مثل صوت الحمير، الله خلقه، والله أنكره”.
وحقا، إن الله سبحانه وتعالى، أكد في محكم كتابه على أن أنكر الأصوات هو صوت الحمير.
ولله في خلقه شؤون. يخلق من يشاء، ويضرب الأمثال بمن يشاء لمن يشاء.
وقد أحكم الأمر فلم يصف الشيء بنقيض طبعه، فالكلب يلهث، كما خلقه وأراد له أن يكون، والوهن وصف بيت العنكبوت، كما هي حقيقته، ولصوت الحمير النكران، فلا أحد بذوق سليم يسترخي للنهيق ويستعذبه أكثر من التغريد. ولكن المفارقة والنكتة تكمن تسمية الشيء بعكس تكوينه، كأن يعزف العازف، بالآلات النشاز أصواتا تشبه أصوات النباح والنهيق، ويسميها، بعذوبة ملفقة: ترانيم الفجر الحالم!
فلا تجد حرجا في وصف هذا العازف الدجال بما تشاء، ولكنه يستحق أن تصفق له لو أنه أسمى معزوفته النشاز “مزبلة الأصوات” إذ وضع الأمر في موضعه.
والدستور العراقي الجديد، ارتجله واضعوه، وصفقوا له، وقدموه لخلق الله في العراق بأنه صوت الجماهير، صدى نداء ضمير الأمة، كركرة ضحكات أطفال المستقبل!
ولكنه انطوى على أصوات نعف عن وصفها، ونربأ بكلمة الدستور أن تختم على إسطوانتها.
بعد التغيير، أراد المتعجلون، إجراء أول انتخابات للوصول الى كراسي السلطة، إلا أن المرجعية الدينية في النجف الأشرف، أبت. ووقفت موقفا حازما من رفض الانتخابات، قبل أن يلد الدستور. وبالفعل تم تشكيل لجنة كتابة الدستور، وكانت خليطا هجينا من ممثلي القوميات والمذاهب والأحزاب. التمثيل صار معياراً وليست الدراية والخبرة بأصول علم كتابة الدساتير، لذا ولد الدستور بعملية قيصرية قاسية، مشوها وكسيحا!
إن فقراته التي كتبت لترضية جميع الأطراف تضاربت مع بعضها البعض تضاربا عجيبا، ما بين الإقرار بلائحة حقوق الإنسان للأمم المتحدة، التي تبيح للإنسان الحرية في المعتقد والسلوك والتعبير، وبين الإصرار على دين الإسلام المصدر الأساسي للدستور.
بضوابطه العقيدية والأخلاقية المعروفة، ناهيك عن سلسلة من المتناقضات العجيبة التي لا تؤدي الى مخارج الحلول، بل تمضي في متاهة الألغاز. واذا حانت ساعة الحقيقة، وانقلب السحر على الساحر، بعد الانتخابات الأخيرة، التي مضى على انجازها نصف العام ولم تتشكل حكومة! ارتفع صوت دستورهم مستنكرا، فـ.. ضربوه بعرض الحائط ليسكت! الله أكبر! ليس هذا بدستور نظام بائد، بل انه دستوركم الذي كتبتموه بيمينكم. سلمت يمينكم، فلماذا تنكرونه، وقد خلقتموه؟! ولقد شهد بهذا شاهد من أهله. النائب والقاضي وائل عبداللطيف، من الائتلاف الوطني، قال: “لقد تم اختراق الدستور ست مرات بعد الانتخابات”!
ونقول إن هذه الستة ربما تصل الى الستين حتى تتشكل الحكومة، ولا يخفى أن أي خرق للدستور يمكن أن يسقط أكبر حكومة وطنية، فما بال التكرار لست مرات. والحكومة المنتهية ولايتها بكامل الصلاحيات!
أيها الدستوريون الحاكمون، لقد خلقتم هذا الدستور صوتا للجماهير فلماذا أنكرتموه كصوت الـ.. ماذا؟
Leave a Reply