عواصم – انطلقت الخميس الماضي أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك بحضور زعماء العالم وأرزهم الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي ألقى خطابا ترك فيه “باب الدبلوماسية” مفتوحاً أمام إيران لحل الملف النووي بالطرق السلمية وقال إنه من الممكن الترحيب بدولة فلسطين كعضو جديد في الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال العام المقبل، وشدد على أن واشنطن تسعى لحل خلافاتها مع إيران بالطرق السلمية.
التظاهرة الدبلوماسية السنوية هذا العام طغت عليها أحداث أرض الواقع، ففي الشرق الأوسط، كانت صفقات السلاح هي الأبرز ورغم ان المنطقة هي الأكثر تسلحاً على مدى السنوات الماضية جاءت صفقات جديدة خلال الشهر الجاري لتؤجج السباق. من جهتها أعلنت إسرائيل صراحة عن وجود سباق إقليمي ستسعى لضمان تفوقها فيه، فيما اعتبرت تسليح السعودية ودول الخليج أمراً مبرراً.. أما تسليح سوريا فهو صفعة.
ورغم ضخامة صفقة السلاح السعودية وشروع الدول العربية الخليجية في أكبر عملية لإعادة التسليح في وقت السلم، إلا أن إسرائيل لا ترى تهديداً، بطلب هؤلاء شراء أسلحة من الولايات المتحدة بقيمة 123 مليار دولار لأن الهدف من ذلك مواجهة قوة إيران العسكرية. ولكن صفقة صواريخ روسيا لسوريا بـ٣٠٠ دولار كانت كافية لإغضاب إسرائيل وتخوفها من “فقدان التوازن”.
ومن جهتها، أعلنت الولايات المتحدة أنها تشاطر إسرائيل قلقها حيال صفقة الصواريخ الروسية إلى سوريا. وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية جيف موريل إن وزير الدفاع روبرت غيتس أوضح لنظيره الإسرائيلي إيهود باراك أننا “نشاطر إسرائيل قلقها حيال نشر أسلحة من شأنها زعزعة المنطقة”. وأكد مصدر رفيع المستوى في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية الإحساس بالقلق الشديد من صفقة السلاح الروسية-السورية، التي أكدت موسكو الأسبوع الماضي أنها ستنفذ برغم الاعتراضات الإسرائيلية والأميركية. وقال المصدر للعديد من وسائل الإعلام الإسرائيلية إن “إسرائيل تنظر إلى هذه الصفقة بقلق كبير. فهذا السلاح سيوجه في نهاية المطاف ضد إسرائيل”. وأضاف أن وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك أثار هذا الأمر “بشكل معمق وحاد” في لقاءاته في روسيا مع وزير الدفاع أناتولي سرديوكوف ورئيس الحكومة فلاديمير بوتين.
ومن ناحية أخرى هناك في إسرائيل من يهدد، وفق صحيفة “يديعوت أحرونوت”، بأنه “اذا ما خرجت الصفقة الى حيز التنفيذ، فإننا لن نراعي الطلبات الروسية بعدم ارسال منظومات سلاح متطورة الى مناطق مهمة استراتيجية بالنسبة لهم، مثل جورجيا”.
وكان وزير الدفاع الروسي أعلن في واشنطن أن بلاده تنوي تزويد سوريا بصواريخ أرض – بحر من طراز “ياخونت <ـي-800” المعروفة باسم “ياخونت”. وكانت هذه الصفقة الروسية وسواها مع سوريا قد أثارت قلقا في كل من الولايات المتحدة وإسرائيل خشية انتقالها إلى “حزب الله”. وفي آب الماضي توجّه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لنظيره الروسي فلاديمير بوتين طالبا منه إيقاف هذه الصفقة، لأن الصواريخ المشمولة فيها تشكل خطرا بعيد المدى على نشاط السفن الحربية الإسرائيلية وهي تقلق جدا الدولة العبرية. وشدد نتنياهو على أن الصــواريخ التي سلمتها روسيا لسوريا وجدت طريقها في الماضي إلى “حزب الله”، بل وأطلقت بعضها على البارجة “حانيت” في حرب لبنان الثانية. وتنبع فرادة صاروخ “ياخونت” من كونه يحلق على ارتفاع أمتار قليلة عن سطح الماء، الأمر الذي يعرقل جدا محاولات اعتراضه أو حتى تشخيصه. وإذا وصلت الصواريخ بالفعل إلى السوريين، فإن المعنى هو عمليا أن كل جولة بحرية للجيش الاسرائيلي امام شواطىء لبنان ستكون في مدى الصواريخ. وذلك لان السوريين يمكنهم أن ينصبوا الصواريخ في مينائهم الجنوبي، ومن هناك اطلاق الصاروخ ذي المدى الناجع لمسافة 300 كيلومتر.
تسليح الخليج
التبرير الأميركي لتسليح الخليج والسعودية يقول “السعودية جزء من محور الاعتدال وينبغي تعزيز قوتها. وفي ضوء خروج الولايات المتحدة من العراق، وتسلح إيران، ثمة مبرر لتعزيز قوة محور الاعتدال”. ومع ذلك يشدد الاسرائيليون على وجوب التأكد من ضمان تفوق إسرائيل النوعي لسنوات طويلة مقبلة.
وإسرائيل من جانبها لن تمارس ضغوطا على الكونغرس لإفشال الصفقة مع السعودية. ومع ذلك هناك في الكونغرس من أبدى احتجاجه عليها، ولكن هذا الاحتجاج لا يشكل خطرا على الصفقة. ويقف على رأس المعارضين ثلاثة نواب ديموقراطيين وجهوا خطابا بهذا الشأن للرئيس باراك أوباما. وبرر النواب في خطابهم معارضتهم للصفقة بأن “السعودية لا تتصرف كحليف للولايات المتحدة، كما أن للسعودية تاريخا في تمويل الإرهاب. وهذه دولة تعلم أطفالها في المدارس كراهية المسيحيين واليهود. وهي لم تقدم أي دعم للولايات المتحدة عندما ارتفعت أسعار النفط. وهذه الصفقة ستزعزع الاستقرار في المنطقة وتمس بأمن إسرائيل، حليفنا الحقيقي الوحيد في المنطقة”.
وشرعت الدول العربية الخليجية في أكبر عملية لإعادة التسليح في وقت السلم، وطلبت شراء أسلحة من الولايات المتحدة بقيمة 123 مليار دولار. وتعتبر صفقة الأسلحة التي طلبتها السعودية من الولايات المتحدة بقيمة 67 مليار دولار هي أكبر جزء من التسلح العسكري في الخليج الذي يعتبر دعما سخيا لصناعة الدفاع الأميركية.
وسيناقش الكونغرس الأميركي عما قريب الجزء الأول من الصفقة الذي تقدر قيمته بثلاثين مليار دولار. ويأتي شراء الأسلحة الجديدة في وقت يشعر فيه العديد من دول الشرق الأوسط، التي تمتلك ثلثي الاحتياطيات المثبتة للنفط في العالم، بالقلق إزاء أطماع إيران النووية.
كما تخشى هذه الدول من أن تجر أي ضربة عسكرية إسرائيلية أو أميركية ضد المنشآت النووية الإيرانية إلى انتقام إيراني ضدها أو إلى وقف تدفق النفط. ويشمل التحديث العسكري في المنطقة دولا أخرى من حلفاء الولايات المتحدة. ويقول ثيودور كاراسيك من معهد الشرق الأدنى والتحليل العسكري بمنطقة الخليج ومقره دبي إن دولة الإمارات وقعت عقودا لشراء معدات عسكرية تراوح قيمتها بين 35 وأربعين مليار دولار. وتمت الموافقة على السماح للإمارات بشراء نظام “ثاد” وهو نظام صواريخ عالية المدى يتم إنتاجه من قبل شركة “لوكهيد مارتن”. كما وقعت كل من الكويت والإمارات على عقود لتطوير أنظمة باتريوت الصاروخية الدفاعية التي تنتجها شركة ريثيون، والتي تغطي مستويات منخفضة من الدفاعات الجوية. ومن المتوقع أن تنفق عمان 12 مليار دولار والكويت سبعة مليارات دولار حتى نهاية 2014 على استبدال وتحديث طائرات عسكرية وأنظمة قيادة وسيطرة، وذلك طبقا لمؤسسة “بلينهايم كابيتال بارتنرز” الاستشارية التي تقوم بإدارة صفقات الأوفست أو المبادلة. وتتضمن صفقة عمان 18 طائرة إف 16 جديدة إضافة إلى تحديث 12 طائرة أخرى. وتعتبر مجمل صفقات السلاح الأميركية مع السعودية والإمارات وعمان والكويت تقدر بـ12٣ مليار دولار وسيتم تنفيذها خلال الأربع سنوات القادمة.
روسيا تمنع صواريخ عن إيران
وفي سياق آخر، رحب البيت الأبيض بقرار الرئيس الروسي حظر تسليم إيران صواريخ “أس- 300″، معتبرا أن الخطوة تدل على التعاون بين الولايات المتحدة وروسيا لمصلحة ما وصفه بالأمن العالمي.
وقال المتحدث باسم المجلس الأمن القومي مايكل هامر إن البيت الأبيض يستقبل بكل ترحيب قرار الرئيس ديمتري ميدفيديف بحظر تسليم أسلحة حديثة لإيران وبينها “صواريخ أس-300”. وأضاف هامر أن القرار يأتي في إطار حمل إيران على الوفاء بالتزاماتها الدولية “من البداية حتى النهاية”، وضمن التعاون بين روسيا والولايات المتحدة لتحقيق “الأمن العالمي”. وكانت إسرائيل والولايات المتحدة قد عبرتا عن قلقهما بخصوص خطط روسية سابقة كانت ترمي لتزويد إيران بمنظومات تلك الصواريخ الفائقة الدقة المتحركة والبعيدة المدى، والتي يمكنها رصد وتعقب وتدمير الصواريخ العابرة للقارات وصواريخ “كروز” والطائرات التي تحلق على ارتفاعات منخفضة.
Leave a Reply