مرة أخرى لا بد من الكتابة عن الموضوع اللبناني، لمواكبة تطوراته المتسارعة، ومحاولة الوقوف على احتمالاتها، في إطار “التسلية” التي وإن كانت لا تقدم إجابات شافية عن مجموعة الأحجيات التي ذكرناها في الأسبوع الفائت إلا أنها ترضي فضولنا الذي لايزال حيا ويحتاج الى إشباع، انطلاقا من أن البلد هو بلدنا ومصيره يهمنا، رغم هامشية الدور الذي أوكلناه، نحن اللبنانيين، في تظهير المشهد الاقليمي بصراعاته وتناقضاته وغموضه.
ثمة من لايزال يجزم باستمرار مفاعيل التفاهم السوري-السعودي الذي يعطيه رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري الاسم الكودي “سين-سين”، وثمة من يرى أن بري الذي لم تجذبه العراضة التي نظمت للواء جميل السيد في حرم “مطار رفيق الحريري الدولي” الأسبوع الماضي لايزال مطمئنا الى ثبات هذا التفاهم الذي يكفل عدم ترجمة الحرب الأهلية السياسية الدائرة رحاها هذه الأيام في البلد، الى حروب شوارع وأزقة، “لأن السلم الأهلي اللبناني خط أحمر” ولأن هز الاستقرار الأمني أو حدوث انفجار على نطاق واسع في لبنان يهدد في حال حصوله الاستقرار الاقليمي والسوري، وهو وفق أصحاب هذا الرأي “خط أحمر سوري”.
واذا تناولنا بعض المواقف المستجدة للممثلين اللبنانيين على خشبة مسرح الأزمة المندلعة والتي أخبر النائب عن “حزب الله” نواف الموسوي مشاهديه في برنامج “الحق يقال” على شاشة “الأورانج تي في” أن لا أفق موجود حاليا لحلها، يبقى بامكاننا أن “نتسلى” ببعض هذه المواقف:
رئيس “تيار التوحيد” اللبناني الوزير السابق وئام وهاب طرح في أحدث تصريحاته التي تكاد تكون على مدار الساعة، مخرجا “خلاقا” لرئيس الحكومة سعد الحريري للخروج من رئاسة الحكومة قائلا:
طالما أن ديونه الشخصية تتراكم، فلم لا يتفرغ لأعماله الخاصة، لمعالجة مشاكلها لفترة سنة أو أكثر، وعندما يشعر أن الوقت بات متوافرا لديه لإدارة الحكومة يمكنه العودة الى منصبه!
طبعا وئام وهاب يريد أن “يسلّي” اللبنانيين بتصريحه الهزلي، ونحن نتناول هذا التصريح من باب التسلية لا أكثر، طالما أن أي جدية في معالجة الأزمات المتوالدة غائبة كليا، وطالما أن اللبنانيين مواطنين وسياسيين واعلاميين تواطؤوا على متابعة مشاهدة حلقات المسلسل المفروض عليهم رغم قلة امتاعه وكثره بواعث الملل فيه.
“قضية” جميل السيد بقيت أيضا ميدانا مفتوحا للمواقف وردود الفعل، وآخر نماذجها الانفصام الذي ظهر في صفوف تحالف الرابع عشر من آذار. فأمانته العامة ساءها، وفق بيان صادر عنها بعد اجتماع لها الثلاثاء الماضي، مشاركة “رموز سورية” فيما تسميه “اجتياح مطار رفيق الحريري الدولي” و”خلع باب صالون الشرف” (كأن هنالك شرفا لم يخلع بعد في لبنان!). فيرد ممثل تيار المستقبل في الاجتماع، وأحد “صقوره” النائب السابق مصطفى علوش ببيان يوضح أن الاتفاق على صيغة البيان لم يلحظ ذكر سوريا أو التعرض لها، ولذا فهو يستغرب ويتحفظ، بل ويرفض هذه الاشارة الى سورية خلافا لما اتفق عليه.
ندرك هنا أن مفاعيل “سين-سين” لاتزال سارية، أقله على جبهة التقارب والانسجام اللذين بدأا يطبعان علاقة “ابن الشهيد” برئيس النظام الذي اتهم حتى وقت قريب بالضلوع في عملية الاغتيال، وقبل أن يبرئه التفاهم منها، براءة الذئب من دم ابن يعقوب.
نائب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم في أحدث تصريحاته، قال: “إن حزب الله لم يقل كلمته النهائية بعد في موضوع المحكمة” (!). يحتاج المراقب أو “المتسلي” بالشأن اللبناني الى الضرب بالمندل ليفهم فحوى هذا التصريح، على ضوء الموقف الساطع في وضوحه الذي سبق للأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله أن أعلنه أمام الملأ وهو “أن المحكمة الدولية هي محكمة اسرائيلية”. هل يعني هذا التناقض في مواقف الشخصيتين الأبرز في “حزب الله” أن ثمة تراجعا عن “اسرائيلية” أو أسرلة المحكمة؟ لاجواب مأمونا على هذا التساؤل، لكن الأمر يمكن أن يعزى أيضا الى تفاهم “سين-سين”، وما بقي من مفاعيله.
اللواء جميل السيد، وبعدما “شرشح” رئيس الحكومة وهدده صراحة في مؤتمره الصحفي الشهير الذي أثار أزمة مذكرة الاستدعاء و”عراضة المطار” طلع على اللبنانيين قبل يومين ببيان عبر مكتبه الاعلامي للتعليق على ما ورد على لسان رئيس الحكومة في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة ومفاده أن “من الغبن أوالعار مقارنة دماء والده وسائر الشهداء الذين سقطوا بعده بمظلومية ضابط غادر السجن وعاد الى منزله”.
نبرة اللواء السيد التي خاطب بها “دولة رئيس الحكومة” جاءت هذه المرة غاية في التهذيب، وأقرت بحقه الذي لا جدال فيه في اعتبار دماء والده أهم من مظلومية الآخرين، رغم اعتراضه الشديد على كلام الحريري، لكن السيد كان غيره الذي عيّر رئيس الحكومة بدفن جثمان والده في “أرض مغتصبة”!
بالطبع هذه النبرة لم تُعِد الود المفقود بين اللواء و”الطائفة السنية الكريمة” كما يحرص على وصفها، لكنها أيضا يجب أن تكون مفاعيل “سين-سين”، التي لاتزال تضبط ايقاعات الصراع المذهبي التي ما أن تصل الى أعلى طبقاتها حتى “تتدوزن” تلقائيا بفعل المفاعيل إياها.
الزعيم الدرزي الأول، رئيس اللقاء الديمقراطي النيابي وليد جنبلاط يصوغ تكرارا معادلة “السلم الأهلي أو العدالة” ويقترح حلا يقضي بالتوافق على الغاء المحكمة في نبرة تحمل علامات واضحة من الاحباط وقلة الحيلة بإزاء ما يخشاه من فتنة سنية-شيعية قد تطيح شظاياها و”آثارها الجانبية” بما تبقى من وجود للأقليات اللبنانية من درزية ومسيحية. ثم ينقل عن اوساط جنبلاط أن السيد نصر الله بعث بـ”رسالة ايجابية” الى الرئيس سعد الحريري.. لانزال في بقية مفاعيل”سين-سين”.
النائب عن “حزب الله” نواف الموسوي يعلن، بلا لبس، في المقابلة مع ماغي فرح على شاشة “الأورانج تي في” أن صدور القرار الظني عن المحكمة الدولية في كانون أول (ديسمبر) القادم وفق آخر المعطيات لدى “حزب الله” التي تؤكد ذلك، بنسخة “دير شبيغل” (اتهام عناصر غير منضبطة في حزب الله) “ستتعامل معه المقاومة كأنه اجتياح اسرائيلي-اميركي لها”، مؤكدا أن رد “حزب الله” لن يجر الى أي فتنة.. إلا على “المفتنين” مستشهدا بالطريقة التي تعاطى بها الحزب مع عملاء لحد الإسرائيليين إثر تحرير العام 2000. يوحي كلام الموسوي أن “حزب الله” سيقوم بعملية أمنية “نظيفة” للسيطرة على مفاصل السلطة وإقصاء رموزها الحاليين من تحالف قوى “14 آذار” وربما محاكمتهم، وهو سيناريو رددته في الأشهر الأخيرة أوساط حليفه “التيار الوطني الحر” وأعادت تحذير “حزب الله” عندما يقرر الرد على القرار الظني من مغبة التردد في الاقدام على تنفيذه “لأن قوات سمير جعجع المدعومة مصريا بصواريخ مضادة للدبابات وكوادره العائده من المنفى أجرت مناورة صامتة في منتصف أيلول الجاري تحاكي عملية سيطرة على المناطق المسيحية”، لشطب الجنرال عون عن الخارطة الجغرافية والسياسية المسيحية.
هنا، لم نعد في مفاعيل “سين-سين” التي تكون قد نفدت صلاحيتها، ويطلب الى الممثلين تبديل ملابسهم وأدوارهم وإجراء تعديلات على الديكور والإضاءة و”المكياج السياسي” وفق مقتضيات العرض القادم الذي يخشى بأن لا يكون “مسليا” بالمرة! بل دراما دموية لا تتسنى مشاهدتها الا لمشاريع قتلى ومعاقين في ساحة خراب عميم!
Leave a Reply