كان أحد الأولياء الصالحين، جالسا بين طلابه ومريديه، وأمامه مصحف يقرأ فيه ويشرح لهم بعض المسائل الدينية بأسلوب بارع وصورة رائعة.. جعلهم يبكون أحيانا تأثراً بما يقول وخوفا مما يقول. ووفق تلك الحالة كان إيمانهم في الظاهر نقيا لا تشوبه شائبة وقلوبهم رقيقة. وفي يوم من الأيام دخل على طلابه ولم يجد المصحف الذي كان يقرأ فيه، فقال لهم: كلكم يبكي فمن الذي سرق المصحف؟
تذكرت هذه القصة، وأنا أستمع لسماحة الشيخ عبداللطيف بري يوم الجمعة الماضي وهو يعلن مرجعيته للجالية الإسلامية في المهجر. وقد بدا لي –وأرجو أن أكون على خطأ- متعبا ومرهقا ومبحرا في بحر مليء بالعواصف والأهواء، في محاولة منه لرعاية شؤون المسلمين في المهجر، خصوصا هنا في ديار الغربة، حيث أحوالهم أينما نظرت تغري بالاستخفاف بهم والتعرض لدينهم، مما دفع بقس أميركي مغمور ومجهول إلى التجرؤ على القرآن الكريم. وقبل ذلك تجرأ رئيس أكبر مؤسسة دينية مسيحية في العالم ووصف رسول الإسلام الأمين بأوصاف لا تليق أن يتفوه بها رجل عادي، من عامة الناس في فلوريدا أو في روما. واللافت.. أن المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، أناس عاديون وعلماء ومؤسسات دينية، قد انبروا جميعا للرد على من أساء للنبي الأكرم محمد (ص) وللقرآن الكريم، ولهم الحق في أن يفعلوا ذلك.
والإنسان العادي يعجب ويتساءل عن كل هذه الهمة والنشاط في التصدي لآراء تافهة وغير حقيقية، لن تنتقص من عظمة الدين الإسلامي الحنيف، فهما اشتدت الرياح لن تزحزح الجبال الراسية. وهنا يبرز سؤال: لماذا لا يكون هذا الاحتجاج والتصدي للقتل الجماعي المتبادل في العراق وفلسطين والسودان واليمن وغيرها، حيث سفك الدماء اليومي أمر لا يقبله منطق ولا عقل ولا ضمير. والواجب على المسلمين أن يحاولوا بتصميم وعزم لإيقافه تطبيقا للقاعدة الشرعية المعروفة: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فهل المسلمون لديهم –كما يشاع ويقال- شغف بالجزئيات على حساب الكليات، وما هي مسؤولية المسلمين في العالم عن جهل الناس بدينهم الإسلامي الحنيف؟ واذا كان على علماء الدين والمؤسسات الدينية (وما أكثرها) يطلبون من غير المسلمين أن يفهموا روح الإسلام، فمن الواجب حشد طاقاتهم لتوعية المسلمين بالمبادئ السمحاء لدينهم الذي ينبني على ركائز العدل والرحمة والتسامح بين الناس جميعا، فبناء الإنسان المسلم الصحيح، أكثر جدوى من بناء الجوامع والمراكز الإسلامية حول العالم واعلان المرجعيات الدينية فيها. واذا كان المسلمون في أوطانهم ذاتها عاجزين عن إيقاف المذابح الجماعية بين المسلمين وعاجزين عن إشاعة روح الإخاء والمحبة بينهم فبأي حق يطالبون الآخرين باحترامهم واحترام دينهم؟؟
أعود وأكرر ما قلته سابقا، أشفق على سماحة العلامة عبداللطيف بري من مسؤولية المرجعية خصوصا الآن، حين انتشر التدين وقل الورع، وكثر المصلون وقلّت الصلاة، وحيث يتسابق الناس إلى إظهار تمسكهم بالفرائض والعبادات على حساب الشأن الحياتي والتقاعس في العمل والإنتاج.. بحيث صارت طويلة جداً.. قائمة المدعين والمنافقين.
Leave a Reply