حتى لا تنفجر المفاوضات: منظومة أمن إقليمي تشترك فيها إسرائيل والدول العربية
واشنطن، تل أبيب – في الوقت الذي كان يجهد فيه المبعوث الأميركي للشرق الأوسط جورج ميتشل في بث الحياة في المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية المهددة بالانفجار بسبب التعنت الإسرائيلي والتمسك برفض تمديد تجميد الاستيطان كان جليا الأسبوع الماضي أن الرئيس الأميركي باراك أوباما على استعداد للذهاب بعيدا من أجل ضمان استمرار مسرحية المفاوضات. فقد أكدت مصادر أميركية، الخميس الماضي ما سبق أن نشرته صحيفة “معاريف” الإسرائيلية مطلع الأسبوع عن رسالة بعث بها الرئيس باراك أوباما لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في إطار الجهود التي يبذلها لـ”إقناعه” بتمديد قرار تجميد الاستيطان لشهرين آخرين من أجل إنقاذ المفاوضات المباشرة. وذكرت مجلة “فورين بوليسي” والباحث في “معهد واشنطن” دافيد ماكوفسكي، وهو أحد المقربين من مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الشرق الأوسط دينيس روس، أن مضمون رسالة أوباما لنتنياهو يتعدى بكثير الضمانات التي نشرتها “معاريف”، وينسف مبدأ الأرض مقابل السلام، لا بل أن الرئيس الأميركي وعد نتنياهو بأنه، بعد إقامة الدولة الفلسطينية، سينشئ منظومة أمن إقليمي تتشارك فيها إسرائيل والدول العربية.
وكانت صحيفة “معاريف” قد نشرت تقريرا يؤكد أنّ أوباما تعهد، في مقابل استجابة إسرائيل لمطلب تجميد الاستيطان مرّة واحدة فقط، ولمدة 60 يوماً، بتقديم ضمانات طويلة الأمد لأمن الدولة العبرية. وأوضحت أنّ أوباما قدّم هذا العرض من خلال رسالة بعث بها الى نتنياهو، وتضمنت، وفق الصحيفة، التزاماً نادراً من جانب الرئيس الأميركي لرئيس الحكومة الإسرائيلي، وذلك في إطار الجهود الكبيرة التي يبذلها لمنع انفجار المحادثات.
ويبدو جليا مما نشر في المواقع الأميركية، أن أوباما، ومن أجل بلوغ هدف إقامة الدولة الفلسطينية، مستعد لمنح إسرائيل ضمانات واسعة تحدد وجهة المنطقة العربية، وتوفر للدولة العبرية كل عوامل التفوق.
وبحسب المصادر الأميركية، فقد نجح وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك وروس في دفع أوباما إلى تقديم ما يمكن تسميته “العرض الذي لا يمكن رفضه”. ولكن نتنياهو، على الأقل حتى الآن، رفض هذا العرض بالرغم من ترحيبه بالضمانات الواردة فيه.
ومن المعلوم أن نتنياهو حاول التملص من التفاهمات التي توصل إليها الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت خلال جولات التفاوض السابقة، عن طريق إثارة الجدال في جدول الأعمال حول أولوية الترتيبات الأمنية على مسألة الحدود. وتظهر رسالة أوباما لنتنياهو أن الأول تراجع أمام الثاني في كل القضايا الأمنية بما في ذلك استمرار التواجد الإسرائيلي في غور الأردن، وهو ما يعتبره نتنياهو شرطا لأي قبول بالدولة الفلسطينية. كما أن أوباما يوافق على الشرط الإسرائيلي الثاني، المتمثل بأن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح. ولكن كل هذه التنازلات لم تفلح في تغيير موقف نتنياهو من مسألة الحدود ومن قضية تجميد الاستيطان.
وبحسب “فورين بوليسي” فإن التأكيد على ما نشر في إسرائيل جاء على لسان روس ومساعدة زوجة الرئيس الأميركي ميشيل أوباما، سوزان سار التي تعمل كقناة اتصال بين البيت الأبيض مع زعماء اليهود في أميركا. وقد تبين ذلك في لقاء عقده روس وسار مع مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي اليهود، وكشف عما جرى فيه أحد المشاركين، وهو السيناتور كارل ليفين الذي يرأس لجنة المساعدات العسكرية في مجلس الشيوخ.
وفي اللقاء الذي امتد على مدى ساعة وأكثر، شرح روس وسار خطوات إدارة أوباما من أجل منع تفجير المفاوضات المباشرة. وبحسب المسؤولين الأميركيين فإن الإدارة الأميركية تضغط على الطرفين: على إسرائيل من أجل القبول بتمديد قرار تجميد الاستيطان لشهرين إضافيين، وعلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس من أجل ألا ينسحب من المفاوضات حتى إذا لم تجمّد إسرائيل الاستيطان. ورفض السيناتور ليفين توضيح خطوات الإدارة للحيلولة دون انسحاب عباس من المفاوضات.
تجدر الإشارة إلى أن ليفين هو واحد من 87 سيناتورا كانوا قد وجهوا، في مطلع الأسبوع الحالي، رسالة لأوباما طالبوه فيها بممارسة الضغط على الفلسطينيين لمنعهم من الانسحاب من المفاوضات. وبحسب كلامه فإنه راض عمّا سمعه في اللقاء، قائلاً إنّ “هناك رغبة لدى الطرفين في مواصلة الحوارات المباشرة، وكلاهما يرغبان في إيجاد طريق يسمح لهما بفعل ذلك”.
وكتب الباحث في “معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى” دافيد ماكوفسكي في موقع المعهد على شبكة الانترنت عن رسالة أوباما لنتنياهو، والتي وعد فيها بعدم الشطالبة بأي تمديد إضافي لقرار تجميد الاستيطان بعد هذين الشهرين. وأشار ماكوفسكي إلى أن الرسالة أرسلت بعد التشاور مع كل من باراك ومبعوث نتنياهو للمفاوضات المحامي اسحق مولخو. وأشار ماكوفسكي إلى أن أوباما منح نتنياهو في هذه الرسالة وعدين: ممارسة حق النقض (الفيتو) الأميركي على أي اقتراح بهذا الشأن يعرض على مجلس الأمن الدولي من طرف واحد، سواء من جانب الدول العربية أو سواها، وتأييد مشروعية احتياجات إسرائيل الأمنية كما تحددها هي اليوم ومن دون مطالبتها بإعادة تحديدها لاحقا.
وكشف ماكوفسكي، الذي سبق وعمل إلى جانب دينيس روس في “معهد واشنطن”، وألفا سويا كتابا عن المفاوضات، النقاب عن أن أوباما وعد نتنياهو في مقابل مواصلة تجميد الاستيطان لشهرين، بالموافقة على بقاء التواجد العسكري الإسرائيلي في غور الأردن حتى بعد قيام الدولة الفلسطينية. وشدد ماكوفسكي على أن رسالة أوباما تستجيب للكثير من المطالب التي يعرضها نتنياهو منذ سنوات، وأن الكثير منها يعتبر حاسما لأمن إسرائيل على المستوى الاستراتيجي.
ويتعهد أوباما في الرسالة بألا تطالب الولايات المتحدة لاحقا بأي تمديد إضافي لتجميد الاستيطان، وأن تحصر الأمر في نطاق المفاوضات حول التسوية النهائية. ووافق أوباما على منح إسرائيل سلسلة من الضمانات الأمنية المتعلقة بمنع تهريب الأسلحة والصواريخ للدولة الفلسطينية. كما تعــهد بضــمان مرحلة انتقالية طويلة الأجل تســـري فيها ترتيبات أمنية في غور الأردن.
ويتعهد أوباما لنتنياهو أيضا بالضغط على الدول العربية للاحتشاد بشكل مشترك في مواجهة الخطر الإيراني وبلورة اتفاق للأمن الإقليمي يتم التوقيع عليه بعد قيام الدولة الفلسطينية. وتوصف المنظومة الأمنية المشتــركة هذه في رسالة أوباما بأنها “عمارة الأمــن الإقليمي”، وهدفها المركزي هو اختبار كافة الخيارات في مواجهة إيران.
وكتب أوباما أيضا لنتنياهو أن الولايات المتحدة ستطوّر قدرات إسرائيل الأمنية في فترة ما بعد اتفاق السلام، وستزيد معونتها العسكرية لها. وقد تعهد الأميركيون بتقديم منظومات سلاح متطور ومنظومات استخــبارات وإنـذار مبكر بما في ذلك أقمار صناعية لإسرائيل. يأتي ذلك، في وقت أكد المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل أنّ واشنطن ستواصل جهودها لمنع تفجير المفاوضات المباشرة. وقال ميتشل، خلال مؤتمر صحافي مع رئيس دائرة شؤون المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات بعد لقائه الرئيس الفلسطيني محمود عباس في رام الله، إن “هناك عقبات كثيرة أمام عملية السلام، لكننا مصرّون على مواصلة العمل للتوصل إلى إيجاد قاعدة مشتركة بين الأطراف من أجل استمرار المفاوضات المباشرة بطريقة نأمل في أن تسمح بالتوصل إلى اتفاق سلام”.
وأضاف “ويعني أيضاً توصل سوريا ولبنان وإسرائيل إلى اتفاق وبناء علاقات طبيعية في المنطقة”.
جاءت هذه التطورات، في وقت أعلن المتحدث باسم الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد عيسى أنّ الاجتماع الذي كان مقرراً بين عباس ولجنة المبادرة العربية في القاهرة يوم الاثنين المقبل، قد تأجل لمدة يومين من أجل إتاحة الفرصة أمام الجهود الأميركية الرامية إلى تذليل العقبات أمام عملية التفاوض.
وفي دمشق، جددت القيادة المركزية لتحالف قوى المقاومة الفلسطينية، عقب اجتماع عقدته برئاسة رئيس المكتب السياسي في حركة حماس خالد مشعل، وبحضور الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية، رفضها لمسار المفاوضات مع إسرائيل.
Leave a Reply