ديربورن – خاص “صدى الوطن”
بدعوة وتنسيق من “رابطة الطلاب المسلمين” و”مكتب التشارك في جامعة ميشيغن–فرع ديربورن”، عقدت، مساء الثلاثاء الماضي، ندوة نقاشية حول مواضيع “الإسلاموفوبيا”، وبناء المركز الإسلامي في نيوريوك وحرق نسخ من القرآن الكريم، وهي مواضيع أثارت الكثير من النقاش في الولايات المتحدة على مختلف الأصعدة، ووصلت ذروتها في الذكرى التاسعة لأحداث الحادي عشر من أيلول.
الندوة التي شهدت حضورا طلابيا لافتا شارك فيها محاضران وأدارتها البروفيسورة آن لامبكن-وليامز الأستاذة في جامعة ميشيغن-ديربورن.
واتخذت الندوة في جانب منها منحى بحثياً عميقاً يحاول فلسفة الظواهر المرتبطة بحياة المسلمين في أميركا وموقعهم “الحرج” في الثقافة والسياسية والحياة اليومية، من دون إهمال الفهم السياسي والتوظيفات الانتخابية التي تسعى الى استثمار هذه المسألة، لتحقيق أهداف مرحلية ومؤقتة.
فقد ألمح الباحث في هوية المسلمين في أوروبا وأميركا الشمالية سعيد خان في كلمته إلى أن “البعض” يحاول صناعة “التخويف من الآخر” وترويجها، منوهاً بأن هذه المسألة لم تأت كاستجابة تلقائية وأوتوماتيكية لأحداث الحادي عشر من أيلول العام 2001، بل إنها تعود إلى حوالي 30 عاما.. إلى بدايات التسعينات وقد كان من أوائل من لفت لتلك الظاهرة الكاتب المعروف صموئيل هنتيغتون في كتابه الذائع الصيت “صراع الحضارات”.
ونوّه خان الذي يقوم حاليا بتدريس التاريخ الإسلامي وتاريخ الشرق الأوسط في جامعة “وين ستايت” بأن الإسلاموفوبيا (الهلع من الإسلام) هي ظاهرة موجودة في الثقافات الغربية وأنها جديدة أو حديثة، ولكن “النقلة النوعية” التي أحدثتها هجمات “١١ أيلول” هي أنها أنتجت ظاهرة جديدة تدعى “المسلموفوبيا” (الهلع من المسلمين).
ولفت خان إلى إن أهم مواصفات هذه الظاهرة الجديدة.. هي محاولة ربطها بالعرق (تكريس فكرة أن المسلمين هم عرق أو جماعة عرقية من البشر)، وبالتالي فإن المسألة في عمقها هي مسألة تمييز عرقي، واعتبر خان أنه بمثل هذا الفهم نستطيع أن نعرف لماذا يعتقد عدد كبير من الأميركيين أن رئيسهم، باراك أوباما، هو مسلم!
وبرأي خان فإن الولايات المتحدة تعيش مخاضات وتحولات عميقة في بنيتها الاجتماعية والسياسية، وهذا هو ما يفسر “الخوف” الذي يسيطر على الجميع.. “نعم إن أميركا تتحول من بيضاء إلى سمراء، ومن أمة ذات ثقافة سكسونية إلى أمه ذات ثقافة هيسبانية خاصة في الولايات الجنوبية”. وأشار في السياق ذاته “إلى المسلمين يشعرون بأنهم مستهدفون وهذا ليس جديدا.. ولكن ما يحدث لهم الآن هو بلا شك مسألة، بل ظاهرة، تثير القلق”.
وتصدى المحامي والناشط الإجتماعي هاريس أحمد في كلمته للإجابة على عدد من الأسئلة التي يطرحها بعض الأميركيين بصيغ بريئة لتبرير النظرة العدائية للمسلمين.
واستغرب أحمد أن يتم تجييش الشارع والإعلام الأميركيين لمناهضة بناء مركز إسلامي في منهاتن في منطقة “غراوند زيرو” (موقع مركز برجي التجارة العالمي) بدعوى أن ذلك يثير حساسيات عائلات الضحايا ويمس بكرامتهم. وقال “إن بين عائلات الضحايا.. الكثير من العائلات المسلمة وهم بالطبع لا يعارضون بناء المركز، هذا بالإضافة إلى وجود عائلات غير مسلمة وهي أيضا لا تعارض هذا المشروع”. وتساءل أحمد: “لما يتم تبني موقف العائلات المعارضة لبناء المركز الإسلامي ويتم إهمال موقف العائلات الموافقة على ذلك”.
وساق مثالا على الخطاب التعبوي الذي يستهدف المسلمين بالذات، وقال “هل تعرفون أن يوجد في ميناء بيرل هاربر الذي قصفه اليابانيون في الحرب العالمية الثانية معبد للديانة الشنتوية اليابانية”. وفي السياق ذاته أضاف “وبالطبع فإن اليابانيين لن يعارضوا بناء كنائس في مدينتي ناغازاكي وهيروشيما اللتين قصفهما الأميركيون”.
ولفت أحمد إلى أنه من غير المنطقي ومن غير المقبول ربط الإسلام والمسلمين بالإرهاب، وقال “على الأميركيين أن يفهموا أن القاعدة بالنسبة للإسلام وللمسلمين هي مثل “kkk” (جماعة كوكلكس كلان التي تدعو لسيطرة العرق الأبيض) بالنسبة للمسيحية وللمسيحيين. إنها مجرد مجموعة لا تمثل إلا نفسها”.
ودحض أحمد المزاعم التي ترى أن بناء مركز إسلامي في منطقة “غراوند زيرو”، وأنها ستؤدي إلى إثارة النعرات وتأجيج الكراهية، وقال “بأن المركز سيكون مكاناً للحوار بين جميع الأديان، وأن الإمام فيصل عبدالرؤوف صاحب الفكرة والمشرف على المشروع هو شخص منفتح وهو عضو في تجمع يهودي لحوار الأديان”.
وأجاب أحمد عن سؤال يدّعي البراءة ويقول “لماذا تريدون بناء المسجد في هذا المكان بالذات.. اذهبوا وابنوا مسجداً في مكان آخر”. وقال “إن الدستور الأميركي يضمن حرية الاعتقاد والتدين وبناء المعابد الدينية، وأما الإجابة العملية.. فهي كائنة في حقيقة أنه يوجد الكثير من المسلمين الذين يعملون في شارع “وول ستريت” وهؤلاء يحتاجون إلى مسجد قريب”.
ونوه أحمد إلى أن المشروع لا يقتصر فقط على مسجد، بل إنه يضم الكثير من المشاريع الأخرى التي ستدر فوائد اجتماعية واقتصادية على الكثيرين.
ورأى أحمد أن “المسلمين هم الخاسر الأكبر” في الولايات المتحدة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول، وأنهم يواجهون اليوم أوقاتا عصيبة، ولكن ما يبعث على الأسى والحزن الكبيرين هو أن “أياما سوداء وحزينة ستواجه أبناءنا”. وشدد أحمد على أن المسألة برمتها هي لعبة سياسية قميئة تُضخ فيها أموال طائلة وتستنفر لها أقلام معروفة بخلفيتها الصهيونية، أو الداعمة للصهيونية، من أمثال روبرت سبنسر وفرانك غافني وغيرهم، متسائلا: “متى ستنتهي هذه اللعبة؟”.
وفي نهاية الندوة أجاب المحاضران على أسئلة الحضور التي تنوعت وتشعبت وشملت مسائل أخرى مثل قوانين الهجرة والحريات العامة.
Leave a Reply