من هو يا ترى العبقري في “التيار الأزرق” من فريق سعد الحريري الذي صدق نفسه حقاً وظن أنه أذكى من السوريين؟ الظاهر أن أحدهم كالعادة، أعطى معلمه نصيحة سيئة جديدة مثل كل النصائح الكوارثية على مدى السنوات الخمس العجاف، مفادها أن ينشىء رئيس الحكومة علاقة ودية طيبة مع رأس الدولة في سوريا الشقيقة (اليوم فقط، بعد أن قالوا فيها ما لم يقله مالك في الخمرة) وأن يعزز هذه العلاقة مقابل حفنة من الكلمات المسكنة التي لا تغني ولا تسمن من جوع سياسي. المستشار “العبقري” أوحى لسعد (أتذكرون وجه السعد؟) أنه يكفي أن ينهي ولي الدم إتهامه السياسي وقطيعته لسوريا التي تضمنت إهانة الجيش العربي والشعب السوري (هذا الشعب الوحيد الذي فتح قلبه وبيته وكل ما عنده للاجئين اللبنانيين الذين “هشلوا” إلى سوريا هرباً من لظى الحرب الوحشية الإسرائيلية في ٢٠٠٦، بينما كان أحد النواب الزرق يلعب الورق في بيروت بـ”القميص الداخلي”)، وتضمنت حملةً عنصريةً أدت إلى قتل عمال سوريين لهم أهل وأحباب وأصدقاء وأحلام. كان يكفي أن “يرضى” سعد على سوريا حتى تمحى من الذاكرة مساوىء وأشجان السنوات الماضية. بل أكثرمن ذلك، ظن هؤلاء أن إعطاء سعد للرئيس بشار الأسد من “طرف اللسان حلاوة” مع الإلتزامات والتطمينات والتعهدات اللفظية، لا يمنع من الإزدواجية في التعامل مع الموضوع السوري. أي أن بإمكان سعد أن يبني علاقة متينة مع الرئيس بشار ويقول كلاماً “كيّساً” عن سوريا بينما جوقة الشتامين في أبواقه الإعلامية ومنابره السياسية ترفض “المصالحة” مع سوريا وتطلق النار عليها وعلى أصدقائها الذين وقفوا معها أيام الملمات. وهكذا، كان منطقياً في عقلهم أن يبرىء سعد سوريا علناً من الإتهام السياسي (ولو عبر تصريح خجول في “سقيفة الشرق الأوسط” التي لا يقرأها اللبنانيون وبعكس الإتفاق في السحور الشامي الشهير)، ثم يعود إلى إتهامها مجدداً عبر طفل السياسة نديم الجميل و”أبو العدالة” سمير جعجع، الذي لا يفرقه عنهما إلا الموت، بعيد الشر!
بل وصل الطموح “الأزرق” إلى درجة الظن أنه أصبح بالإمكان طلب “الحماية” من سوريا ضد المقاومة بعد أن حدث الشرخ العميق بينهما كرمى لعيون “جوقة الدنيا هيك”! ذلك أن سوريا تتخلى بهذه السهولة عن من وقف معها وساعدها على الصمود في وجه النحس بوش، أبي حذاء، وقابلته غير القانونية “كوندي” التي لثم فؤاد السنيورة خديها الحنونتين في عز تحريضها على تدمير لبنان، كما عانق بحرارة طوني بلير المتواطىء على دماء أطفال لبنان، بينما “نشف” وجهه أمام مواطنه النائب البريطاني صديق العرب، جورج غالاوي، لدرجة عدم تقديم الشاي له، ربما لأن أحمد فتفت استهلكه كله بتضييفه للإسرائيليين في ثكنة مرجعيون! أتريدون أكثر من ذلك؟ لقد وصل “العقل المبدع” إلى تصور حصول إنفصال سوريا عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية فقط لأن “سيبة” الـ”سين-سين” ركبت في لبنان بعد أن “إنقلع” بوش من البيت الأبيض واقتلعت سياساته التدميرية التي واكبها النظام الرسمي العربي وبعد أن إقتنعت السعودية بعدم قدرتها على “شدشدة” براغي التفاصيل السياسية اللبنانية ورمالها المتحركة التي “خبزها وعجنها” السوري بصبره وطول أناته لهذا السبب، ربما، نزلت مذكرات التوقيف السورية نزول الصاعقة على إنقلابيي “ثوار بولتون” رغم تحذير جميل السيد للمتهمين، وبموجب الإتفاقية القضائية السورية اللبنانية المبرمة عام ١٩٥١. وعلى طريقة “كاد المريب أن يقول خذوني” كان أول “الهاربين”، إلى بلده الأصلي، مروان حماده الذي فرّ إلى فرنسا بعد أن وصف المذكرات بأنها “صفراً” (طبعاً لهذا السبب “قبّع” بالركض آخذاً نصيحة وليد جنبلاط الذي أعطى المذكرات علامة “جيدة”، أفضل من النائب الهارب). وقد لوحظ أن ردود الفعل المستنكرة من قبل صغار “١٤ آذار” كانت “برداً وسلاماً” على سوريا هذه المرة، فتصوروا لو أنها صدرت يوم كانت سوريا من “المغضوب” عليهم لدى هؤلاء الأشاوس! فالشباب لم يقنطوا بعد من رحمة “الخلاف بين سوريا والمقاومة”، لهذا السبب، ساوى عميد “جوقة الدنيا هيك” مصطفى علوش بين مقاومة إسرائيل التي هي أنبل ظاهرة عرفها تاريخ العرب الوخيم والمعيب و”مقاومة القوات” التي تحالفت مع إسرائيل ودشنت عهد المجازر الطائفية والتقسيم والخوات وقتلت من المسيحيين أكثر من المسلمين. هذه المقارنة الحاقدة هي قمة الإنحطاط من هذا الذي تعرف “البغضاء” وطأته. مقارنة علوش جاءت بعد أن “تبرأ” من بيان “الأمانة السامة” لإنتقادها لسوريا مدعياً عدم معرفته به. كل هذا مع أن سوريا أوضحت أنها ليست على الحياد فيما يتعلق بالحفاظ على المقاومة وبالقرار الظني وشهود الزور والمحكمة الإسرائيلية-البلمارية التي أطلق عليها بان كي مون، أمين عام الأمم المتحدة، رصاصة الرحمة عندما قطع الشك باليقين بتدخله بعملها والطلب منها عدم تسليم الوثائق التي طلبها جميل السيد. هذا الأبله نفسه الجاهل للجغرافيا عندما جاء إلى لبنان لأول مرة ظن لما شاهد البحر الأبيض المتوسط أنه المحيط الاطلسي! حجة بان كي مون في قراره غير الموفق هي الحفاظ على “سرية التحقيق”، وهذه، وأيم الله، نكتة الموسم. فأي “سرية” هذه التي يتحدث عنها وقد هرب من المحكمة ١١ موظفاً حتى الآن، وعلم بقرارها الظني القاصي والداني؟
لقد نفذ صبر سوريا من التسويف والمماطلة وبيع الكلام فأطلقت يد القضاء، وهذا مفهوم جديد لأصحاب “الإتهام السياسي” الذين لم يستهجنوا وضع لبنانيين على لائحة “الحظر” الأميركية لأن هذا ليس تدخلاً في الشأن الداخلي! لقد بدأت كرة الثلج لكشف مؤامرة إنقلاب عام ٢٠٠٥ كما بدأت هرهرة “خيوط عنكبوت” المؤامرة المدبرة على سلاح المقاومة بعد فشل إسرائيل في حروبها ضد لبنان وعجزها عن تحقيق النصر أو “السلام” بشروطها المذلة على طريقة “١٧ أيار”. ولعل أطرف ما قيل في موضوع شهود الزور أنها مهمة القضاء اللبناني. وهناك سجين موضوع بالحبس الإحتياطي مدة أربع سنوات بإنتظار محاكمته، وسجين آخر مصاب بداء السرطان وآخر أخطأ المستشفى في عملية جراحية أجريت له ومازال يعاني بعد ٢٢عملية! لم يكن محظوظاً إلا سمير جعجع الذي لم يحظ بعفو عام عن جرائمه فحسب بل أصبح يتطاول على العماد ميشال عون المتعملق بموقفه الوطني المتقدم. فلندع القضاء اللبناني جانباً لأنه طرف وخصم، ولننقل ملف شهود الزور إلى موظفة فؤاد السنيورة المالية، ريا الحسن، التي طردت مديرة “المحاسبة العامة” بعد أن كشفت، عن غير قصد، التزوير والفساد في مملكة السنيورة المالية الخاصة!
“محاسبة” في “شبه الوطن”؟ أنها كمن يداوي الرمضاء بالنار. تصبحون على وطن!
Leave a Reply