في غمرة الحماس لمرشح منصب رئاسة مجلس الوزراء في العراق، هذا أو ذاك، يتوهم الكثير من العراقيين، إن اللعبة السياسية العراقية على هذا المستوى الرفيع من الجد والحقيقة، وإن رئيس الوزراء كائنا من يكون، سيكون اسما على مسمى، وإنه سوف “يحل ويربط”!.
إن هذا المطلب المتفيقه، يشبه أن تطلب من مقاول البناء أن يجعل الصالة أكبر بكثير من بقية الغرف، بينما هذا المقاول المجتهد المسكين، لا يبني إلا حسب الخطة الهندسية التي رسمها رئيس المهندسين السياسيين الجنرال زلماي خليل زادة، وعرضها على أهل الدار في مؤتمر لندن. فنال التصفيق وهزة رؤوس كثيرة بالموافقة، وتولى التنفيذ المهندس المدني الأميركي بول بريمر على المساحة المخصصة في العراق الجديد، ثم أحالها الى مقاولات ثانوية لمقاولين محليين، بتسمية رئيس وزراء. ولكن المبالغة هنا تأتي من حماس جمهورالنزلاء الوطنيين في توقع التغيير في التوزيع. في حين إن الحفارين حفروا الأسس. وارتفع البناء الى “البتلو”، حد موضع الشبابيك بالتعبير العراقي.
حتى إن المسؤول الأميركي قال متذمرا: المالكي وعلاوي وجهان لعملة واحدة! قال ذلك من فرط الضجر، لطول المجادلة والمنازعة في من يكون منهما رئيسا لوزراء العراق، لتنفيذ “برنامجه الوطني” دون سواه، فكلاهما أو سواهما يحكمه البرنامج. لذا يحتاج العراقيون المنخرطون في المشروع السياسي الحالي، السياسيون وأنصارهم من المواطنين، الى شيء من “فشّ النفخة” والقبول باستحقاقات الواقع الجديد الذي هو من صنع أيديهم معا. لقد انتهى زمن التبجح بالمبادئ. وجاء زمن سيل اللعاب والتلمظ إزاء الكيكة، التي لا يمكن أن تؤكل إلا مقسمة، حسب تعليمات كتاب الطبخ الدستوري.
تجزئة الحصة! فليست المطالبة بحصة الشيعة أو السنة. لا. بل توزيعها على أحزاب الشيعة وشخصياتها السياسية وكذلك السنية كما الكردية وإن اتفقت على مشتركات، وهكذا هي الحقيقة الأولى تكمن في القبول بمبدأ التحاصص الجزئي (هذا لي وهذا لك، وأبوك الله يرحمه)!.
وهكذا نريح ونرتاح، وبحساب السوق تتوزع المكاسب على الأحزاب والعشائر والعوائل والمرجعيات. و”الما بدّو يفل”!.
الحقيقة الساطعة الثانية هي: إن العراق ليس للعراقيين وحدهم الآن. إن العراق في الأمم المتحدة يقع تحت البند السابع، أي أنه لم يزل تحت الوصاية الدولية. كما أن للشريك الأميركي في التخلص من صدام استحقاقاته. وقواعد النظام السياسي العالمي “المعولم”. وتشابك الملفات وتوالي “أحجار الدومينو” في الشرق الأوسط، يجعل المصالح والمخاطر مشتركة، لذا فإنه من الثرثرة السياسية وصناعة الوهم وبيعه للجمهور الغشيم، وبح الحناجر القول والمطالبة بعراقية القرار السياسي.
لذا، لا بد من الاقرار رئاسيا وشعبيا بهذه الحقيقة وترضيتها!
وثمة حقيقة ثالثة اقترحها من عندي! وهي التواضع للحكمة وتخصيص حقيبة وزارية جديدة لـ”وزارة لبنان” في جمهورية العراق.
إن حكماء تجربة الأزمات والحروب ومفاوضات التحاصص في لبنان هم خير عون لحكومة العراق الآن.
إن انتقاء حزمة من وزراء لبنانيين وصحفيين لامعين ومفكرين ومدراء بنوك وبرلمانيين ومنحهم ألقاب المستشارين والإصغاء لهم بأدب اللباقة والتثمين والمكافأة سيمنح العراق ثروة معنوية ومعرفية نافعة جدا. وبواقع المحاصصة والصراع الاقليمي، هم الأساتذة في حل ألغاز مخابرات دول الجوار، وفهم المعادلات السياسية للمنطقة، والدراية بالمسكوت عنه من الرغبات الخفية للحكام العرب. والقدرة على جرد حساب المصالح وبالتالي هم العباقرة في كيمياء الخلطة الطائفية والعرقية لصنع علاج المحاصصة للأزمات المحلية التي تتطابق كثيرا في البلدين.
الواقع إنه يندر أن تجد سياسيا عراقيا متصديا الآن، يمكنه الإحاطة بقواعد السياسة الإقليمية والعالمية والقدرة على تفكيكها وتركيبها على النحو الذي يبدع فيه اللبنانيون.
علم الادارة الصناعية اليوم يقر، بأنه لا نجاح باهراً لأي شركة عملاقة، دون تلزيم أجزاء من عملها الى شركات استشارية وتنفيذية أخرى مساندة!
رئيس الوزراء في العراق، اذا أريد له أن ينجح، فليس له سوى أن يجيد توزيع طبخة المحاصصة، وألا يكيل بمكيالين. وأن يعطي لكل زبون حصته التي دفع ثمنها مقدما.
وليس هذا بالهزل ولا بالأمر السهل، فقد يزعل المتعاملون وتتكسر الصحون وتندلع النيران ويطرد الطباخ أو يحرق!
فن الطبخ السياسي الباهر اختصاص لبناني بامتياز، ولا نحتاج للراحة والاستمتاع في مطعم العراق، سوى الى رئيس طباخين لبناني أو .. رئيس وزراء عراقي يجيد الطبخ على الطريقة اللبنانية و”كلوا.. عوافي”. هنيئا لكم بما أسلفتم في الأيام الخالية من التسوق والتحضير لطبخة .. المحاصصة!
Leave a Reply