إذا أردت أن تعرف ماذا يجري على سطح بيتك في ديربورن، عليك أن تعرف ماذا يدور في مانيلا!
ليس في الأمر مزحة.
خطأ في رقم حسابي مع شركة “دش نت وورك” أضاع آخر قسطين شهريين في دهاليز مكاتب الشركة في أقاصي الفيليبين، ووضعني تحت تهديد قطع الخدمة عني في أحرج اللحظات التي تمر بها المنطقة العربية وكاد أن يطيح بفرصة مشاهدتي للزيارة التاريخية لأحمدي نجاد إلى لبنان.
فعلى مدى أيام ظلت الشركة تبث تهديداتها لي عبر الشاشة التي أشاهدها في غرفة الجلوس: ادفع وإلا. استفزتني هذه الوسيلة المبتكرة والفظة في التواصل مع الزبائن المتخلفين عن غير قصد عن تسديد فاتورتهم الشهرية.
في البداية ظننت أن في الأمر التباسا وقعت فيه الشركة لأنني كنت متأكدا من تسديد فاتورتي قبل أن يتبين لي بعد حصولي على فترة سماح لعدة أيام من أجل “تسوية وضعي” مع الشركة وقبل أن يقطع سيف التهديد البث الفضائي عن شاشتي العربية، أن خطأ في رقم الحساب الموجه اليه القسط أدى الى غموض مصيره والى رحلة بحث هاتفية عنه شاركت فيها مسعفة مصرفية مع ممثلة عن الشركة، الى جانبي، عبر اتصال “ثلاثي الاتجاهات” عانيت فيه من لكنة ممثلة الشركة التي كانت تتحدث الإنكليزية بلكنة جعلتني مثل أطرش يبدي ولا يعيد.
عفوا، ماذا قلتِ؟ لم أفهم قصدك.. أعيدي من فضلك السؤال.. لحظة واحدة.. ثم آخذ نفسا عميقا لعل المزيد من الأوكسجين يصعد الى دماغي لتحليل فحوى كلام ممثلة شركة “دش نت وورك” التي اختارت لنا موظفي خدمة في الفيليبين لمساعدتنا في ديربورن وسائر المدن الأميركية على حل مشاكلنا “الفضائية”.
بالصدفة وحدها اكتشفت أن صوتي يلعلع عبر الأثير في أذن فتاة فيليبينية أرادت تسليتي وهي تبحث عن مصير قسطي الشهري عبر حاسوبها بسؤال: كم الوقت عندكم في ميشيغن؟
“حوالي الثالثة بعد الظهر”. قلت.
ثم سألتها في أي ولاية تعملين؟
ضحكت من سؤالي وقالت أنا لست في الولايات المتحدة. أنا في الفيليبين!
استدركت حينها أن معظم الشركات الأميركية قد أخلت مكاتبها الأميركية واستوطنت في دول الأيدي والعقول العاملة الرخيصة، وتركت الساسة والمرشحين للانتخابات الأميركية يتساجلون حول أنجع السبل لانتشال الاقتصاد الأميركي من آبار الركود والكساد.
كنت قد نفست في اتصال سابق عن غضبي مع شركة “دش نت وورك” محتجا على تلك “الإهانة” الموصوفة على الشاشة التي تهددني بجعل صحني اللاقط لإشاراتها مثل الصحن الذي تسكب فيه زوجتي الملوخية أو الشورباء وهالني أن يحدث لي ذلك في حضرة زائر من الأصدقاء فتصبح فضيحتي بجلاجل كما يقول الأخوة المصريون.
قلت لممثل الشركة الذي كان يتحدث بانكليزية أميركية إنني قد أطعن بقانونية هذا التواصل الفظ معي كزبون كل ذنبه أن قسطه ضل طريقه ولم يصل بعد الى خزانة الشركة، ويجري رفض طلبي بتمديد مهلة الانذار الفضائي ريثما أعثر على الأسباب التي منعت وصول الفاتورة الى الشركة. كان على أن أطلب تدخل المسؤول الأرفع الذي نصحني بالاتصال في اليوم التالي وعرض ظلامتي أولا على المصرف الذي أتعامل معه ثم الاتصال بهم للحصول على تمديد للإنذار وتأجيل ساعة الصفر أياما عدة.
وبعدما فكرت بأن أهدد الشركة برسالة احتجاج ومظلومية على نشر غسيلي المالي على الشاشة، عدت بعد التجربة وتراجعت عن تلك الفكرة، كي لا تشمت بنا “دول العالم الثالث” ورأيت أن “صورتي” كمواطن أميركي يجب أن تظل مصانة في أعين الفليبينيات التي قد تقع رسالتي بين أيديهن فيضحكن بعد أن أكتشف أنني أخابر مانيلا لأعرف ماذا يجري في بيتي في ديربورن!
ع.ب
Leave a Reply