عواصم – تدفع مخاوف من التهديد الذي تمثله ايران دول الخليج العربية الى انفاق المليارات على شراء أسلحة جديدة لكن هذا الاستثمار “لا يستطيع أن يحمي شبه الجزيرة العربية ما لم يقم بينها تنسيق وتعاون عسكري أوثق” هذا ما تروجه معاهد الدراسات الاستراتيجية “المرموقة” في واشنطن ولندن والشرق الأوسط إضافة الى كبار العسكريين، وما هذا الطرح إلا ترجمة لعرض الرئيس الأميركي باراك أوباما المغري لإسرائيل نهاية الشهر الماضي حيث اقترح الأخير على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو “منظومة عسكرية عربية-إسرائيلية” تحمي الكيان الصهيوني من أعدائه في المنطقة مقابل تعاونه مع الإدارة الأميركية في دفع عملية السلام في المنطقة.
الأسبوع الماضي اعلنت الادارة الاميركية رسميا انها ابرمت مع السعودية اضخم صفقة بيع اسلحة في تاريخ الولايات المتحدة على الاطلاق تشمل بيع مقاتلات ومروحيات عسكرية تصل قيمتها الى 60 مليار دولار وتهدف الى تمكين المملكة من مواجهة الخطر الايراني المتعاظم. ومن المتوقع أن تنفق السعودية والامارات العربية المتحدة ودول أخرى من مجلس التعاون الخليجي ما يصل الى 100 مليار دولار على مدى الاعوام القليلة القادمة لشراء طائرات “أف-15 ايغلز” وطائرات “اف اي-18 هورنت” وأنظمة دفاع صاروخية من طراز “ثاد” من انتاج “لوكهيد مارتن”.
وينص المشروع الذي عرضته ادارة الرئيس باراك اوباما على الكونغرس الأربعاء الماضي، والذي لا يرجح ان يلقى معارضة بعد موافقة إسرائيل، بان يسمح لها بان تبيع السعودية 84 مقاتلة قاذفة من طراز “اف-15” وتحديث 70 اخرى. كما تتضمن الصفقة تزويد الرياض بـ178 مروحية هجومية 70 منها من طراز “اباتشي” و72 من طراز “بلاك هوك” و36 من طراز “اي اتش-6 آي”، اضافة الى 12 مروحية خفيفة للتدريب من طراز “ام دي-530اف”، كما اوضح اندرو شابيرو مساعد وزيرة الخارجية المكلف الشؤون السياسية-العسكرية . وبرر المسؤول الاميركي هذه الصفقة الضخمة بانها “ستنشر السلام الاقليمي وتزيد من القدرات الدفاعية لشريك مهم”. واضاف ان هذه الصفقة “ستفيد الامن القومي الاميركي” عبر “ارسال رسالة قوية في المنطقة بشأن عزمنا على دعم امن شركائنا الرئيسيين في الخليج، وفي الشرق الاوسط بأسره” ولكنه أكد على حرص الإدارة الأميركية على الحفاظ على التفوق العسكري الإسرائيلي في المنطقة.
وقالت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية إنه بعد مناقشات بين وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس ونظيره الإسرائيلي إيهود باراك، وافقت واشنطن على الحد من قدرات مقاتلات “أف 15” (التي ستبيعها للرياض) على ضرب أهداف بعيدة، للتقليل من قدرتها على تهديد إسرائيل، مذكّرة بالصفقة التي أُبرمت الشهر الماضي بقيمة 15 مليار دولار لبيع إسرائيل مقاتلات من طراز “أف 35″ التي تُعدّ أكثر تطوراً من الـ”أف 15”. وأشارت إلى أن بيع أسلحة أميركية إلى السعودية هو “جزء من توجه أوسع لتزويد دول خليجية أخرى في منطقة الشرق الأوسط بالأسلحة، لاعتقاد الولايات المتحدة أنه مهم لمواجهة إيران”. وكانت صحيفة “فايننشال تايمز” نفسها سباقة في الكشف، في أيلول (سبتمبر) الماضي، عن أن السعودية والإمارات والكويت وسلطنة عمان ستنفق نحو 123 مليار دولار على شراء أسلحة أميركية حديثة لمواجهة القوة الإيرانية العسكرية.
منظومة
وفي سياق ضرورة انشاء منظومة إقليمية لمواجهة إيران يقول مارك توماس نائب مدير مكتب معهد “رويال يونايتد سرفيسيز” في قطر ويتخذ المعهد من بريطانيا مقرا له “تتركز المشتروات التي نراها على وجه الخصوص على الدفاع الجوي والصاروخي والقدرات البحرية”. وأضاف “ايران تفوق دول الخليج كثيرا على صعيد القوة البشرية والصواريخ. وأفضل طريقة لمعالجة هذا هي من خلال امتلاك تكنولوجيا متقدمة.. المشكلة هو أن هناك نقصا في التنسيق والتعاون بين تلك الدول. لا يوجد حلف عسكري لمجلس التعاون الخليجي مماثل لحلف شمال الاطلسي”.
ويقول الخبراء الاستراتيجيون ان السعودية، أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم، مثلها مثل الجيش الاميركي لها دوما مصلحة في حماية تدفق النفط وعليها أن تكون قادرة على ذلك. وينصح “الخبراء” دول الخليج بحاجة الى بحث أمان مواطنيها والمراكز المالية الواعدة في دبي وأبو ظبي والدوحة التي استقطبت استثمارات أجنبية بمليارات الدولارات. وهي تشعر بقلق متزايد من ان تشن ايران هجوما انتقاميا اذا تعرضت طهران لعمل عسكري من قبل اسرائيل او دول غربية بسبب برنامجها النووي.
وبين عامي 2002 و2009 أبرمت دول مجلس التعاون الخليجي صفقات سلاح تقترب قيمتها من 6٧ مليار دولار. لكن محللين يقولون ان الانفاق وحده ليس الحل ويشيرون الى أن معظم الجهود السابقة لوضع اطار عمل أمني جماعي كانت في الاغلب بلا جدوى. كما يقول المراقبون المؤيدون للحديث عن التنسيق الإقليمي في وجه إيران أن الأمر ليس بجديد. وقد فشل حتى الآن في تطوير شبكة انذار مبكر اقليمية لرصد أكثر الاسلحة التي تخشاها دول الخليج وهي الصواريخ طويلة المدى وصواريخ “كروز”. ويقول مسؤولون عسكريون اميركيون إن هذا النظام الذي يمكن أن يقيمه متعاقدون أميركيون قد يكون نواة للتعاون العسكري الاقليمي. لكن كبار المسؤولين العسكريين في الخليج لم يظهروا حماسا لانشاء نظام سيكون الدور الاميركي به كبيرا ويتطلب قدرا كبيرا من التعاون بين بعضهم البعض.
وقال مصطفى العاني وهو من كبار الاستشاريين ومدير برنامج بمركز الخليج للابحاث “دول كثيرة لا تملك المال او لا تريد التنازل عن السيطرة الوطنية… وتعتقد أن دولة (واحدة) ستهيمن على النظام لانها دفعت تكلفته” وأضاف أن الدول الاغنى سينتهي بها المطاف الى دفع معظم تكلفة انشاء النظام. وفي عام 1986 أنشأ مجلس التعاون الخليجي درع شبه الجزيرة العربية وهي قوة قوامها تسعة الاف فرد غير أن هذه القوة اليوم لا تعد عاملا جادا في الحفاظ على الاستقرار الاقليمي.
وقال تيودور كاراسيك مدير قسم البحث والتطوير في “معهد التحليل العسكري للشرق الادنى والخليج” “هذه (القوة) لا تعمل… إلغوها”.
ويرى كاراسيك أن الافتقار للارادة السياسية نتيجة الخلافات بين بعض الأسر الحاكمة والوجود الضخم للسعودية والمشاكل التاريخية كلها جعلت التعاون العسكري صعبا.
في الضفة الأخرى يقول محللون عسكريون إنه لا توجد كمية من المشتروات تكفي لانهاء اختلال التوازن الاستراتيجي في الخليج، كما أن شراء الطائرات لن يغير ميزان القوى لأنها ستكون فعالة في حالة حدوث هجوم بري وهو أمر غير متوقع.
Leave a Reply