بعيداً عن هيام السياسيين بالكراسي وقصص جنونهم، نستذكر قصة من قصص نساء المعارضة في الأيام الخوالي. هي قصة: “منتهى”!.
“منتهى” التي عرفها أهل العراق في المنفى السوري. كانت في منتهى الجمال هذه البنت ومنتهى اللطف ومنتهى الثراء. فرّ بها والدها التاجر العراقي من بغداد.. يوم استبد الجنون بـ “عدي صدام حسين” فأقام حفلات إعدام التجار، وحفلات اغتصاب الجميلات وقتلهن.
واصلت منتهى دراستها ونشاطها في المعارضة، وتوزيع المساعدات على الفقراء والمعوزين. لقد كانت ملكة جمال ومجتمع منفتح. ومع ذلك كان هناك من يسميها “المكروهة”. النساء الغيورات والرجال المبتذلون الذين تصدهم.
كانت نجمة يكتفي المولهون بالتطلع لها. وليس من يجرؤ على طلبها عاشقاً أو خطيباً.
وحين أراد أحد رجال العلاقات العامة في حزب معارض معروف، أن يتقدم لخطبتها، لم يرافقه أحد، لئلا يكون ممثلاً في تمثيلة هزلية.
هذا الشخص يسمونه “الصاعود”. يبدي حماساً في النفخ ببوق حزبه وشعاراته الإسلامية. وله جسارة في تعقيب المعاملات مع جهات رسمية، فيبدو بطلاً في أعين المستضعفين!
كانت له زوجة، هجرته ولجأت وأولادها إلى بلد غريب بعد أن ملت حذلقته ونفاقه. تقدم وحيدا، بجسارته المعهودة إلى والد منتهى، باكياً شاكياً ظلم صدام وظلم الزمان وظلم زوجته التي لجأت إلى أولاده إلى بلاد الغرب الكافر، لتتعرب بعد الهجرة.
وافق الوالد على الفور ووافقت منتهى، التي نذرت نفسها لتكون خير عون لرجال الثورة ضد الاستبداد. وكانت قد كتبت دراسة عن رسالة الإمام علي (ع) إلى عامله على مصر الصحابي مالك الأشتر، يعلمه دور وواجب الحاكم. وكانت دراستها تريد لرسالة الإمام أن تكون دستوراً للمعارض حين يحكم! و”على عين العروس”. سقط نظام صدام. ودخلت مع زوجها “الصاعود”، الذي صعد المناصب حتى صار في منصب يدير فيه العلاقات في مكتب رئاسي.. ويدير العراق!
وانقطعت أخبار الكبار. وإذ أردت تقصي أخبارها بعد طول سنين، وصلتني رسالة جوابية من صديق مقرب. يقول: “تسألني عن منتهى؟” منذ عادت إلى العراق، ظلت في منتهى الإخلاص للمبادئ، التي نذرت نفسها لها، والجرأة في انتقاد زوجها وسلوكه الوصولي، وتنكره لشعارات أيام المعارضة، فكان جوابه صدوداً بأن المبادئ من خصائص المعارضة وليس السلطة!. والسياسة ليس قلب، ولا صداقة دائمة ولا مبادئ دائمة ولا عداوة دائمة!
ووجدت منتهى أن زوجها انقلب الى وحش هائج في ربيع وحوش السلطة.. وجدت نفسها في صحراء قاحلة من القبح ونذالة نكران الماضي.. ألا من واحة هنا و هناك لأشخاص طيبين لم يأخذهم تصحر السلطة، لكنه صخب جنون سباق لعبة الكراسي. فانتابها مرض الصداع والغثيان، وهي ترى الذين يستبدلون كتاب الله وكتاب نهج البلاغة، بكتاب الأمير لميكافيللي، ويستبدلون رسالة الإمام بوصايا معاوية.
منتهى صارت مكروهة لزوجها، فطلقها وتزوج “الصاعود” مضيفة طيران سابقة تجيد أكثر من لغتين، مجاملة وباسمة وسريعة التكيف، تحجبت بعد التغيير ولبست زي زوجات المجاهدين. تدير لزوجها الصاعود الرئاسي علاقاته وأعماله في الخارج، تفاوض وتترجم له صفقاته.
ومنتهى أين صارت؟ انتقلت من المنطقة الخضراء الى وادي السلام، بعد إقامة قصيرة في مستشفى شعبي، لتنال شهادة الوفاة بجلطة دماغية.
إنها الآن ترقد بسلام في مقبرة بالنجف الأشرف و.. ذاكرة الأوفياء المخلصين!
Leave a Reply