عواصم – بعد عامين من انفجار الأزمة المالية التي انطلقت شرارتها من الولايات المتحدة بعد انهيار بنك “ليمان براذرز” في أيلول (سبتمبر) 2008 وتنفيذ واشنطن لخطة حفز قوامها 787 مليار دولار في عهد جورج بوش وأخرى بقيمة ٨١٤ مليار في عهد باراك أوباما، يمهد مجلس الاحتياطي الفدرالي حاليا لخطة حفز أخرى لدفع الاقتصاد الذي لم تفلح الخطط السابقة في إنعاشه بقوة رغم المعارضة الشعبية الواسعة لذلك.
ولم تكن الولايات المتحدة الدولة الوحيدة التي اعتمدت سياسات الحفز المالي لضخ الحياة في الااقتصادات المتهالكة بسبب الأزمة المالية العالمية، فقد حذت دول أوروبية وآسيوية عديدة حذوها. وتواجه خطط الحفز الاقتصادي معارضة شديدة وسط المواطنين في بعض أكبر اقتصادات العالم بسبب الضغوط التي تركتها على عجوزات الموازنات وما استتبعها من إجراءات تقشف لخفضها.
وقالت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) إن مسحا حديثاً أجرته على أكثر من 22 ألف شخص في 22 دولة أظهر معارضة هؤلاء لسياسات الحفز المالي الحكومية لدعم الاقتصاد، وإن أقوى مظاهر المعارضة كانت في الدول التي نفذت هذه الخطط مثل ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة.
ورغم تنفيذ الجزء الأكبر من خطة الحفز الاقتصادي الأميركية فإن نخبة من الاقتصاديين الأميركيين توقعوا مؤخرا أن ينمو اقتصاد بلادهم هذا العام والعام المقبل بوتيرة أقل من المتوقع، بينما لا يزال يكابد مخلفات الركود الأخير ويرزح تحت الديون والبطالة.
وتوقع 46 خبيرا في الجمعية الوطنية الأميركية لاقتصاد الأعمال ألا يزيد معدل نمو الاقتصاد الأميركي عن 2.6 بالمئة.
وبقي معدل البطالة فوق 9,5 بالمئة لمدة 14 شهرا، وهو أطول فترة منذ الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن الماضي.
وهناك نحو 14,8 مليون عاطل في الولايات المتحدة حاليا، طبقا لأرقام رسمية. وإذا أضيف إليه عدد العاملين في أشغال مؤقتة فإن العدد قد يرتفع إلى 27 مليونا.
وقالت وزارة الخزانة إن الحكومة سجلت عجزا في الميزانية قدره 1,294 تريليون دولار بالنسبة للسنة المالية 2010 التي انتهت يوم 30 أيلول (سبتمبر) الماضي، مقابل 1,416 تريليون في العام السابق. وتتوقع الإدارة أن يصل العجز في السنة المالية 2011 التي بدأت في أول تشرين الأول (أكتوبر) الجاري إلى 1,4 تريليون دولار.
وفي أوروبا لا يبدو الوضع الحالي أفضل منه في الولايات المتحدة، فبعدما ضخ “بنك إنكلترا المركزي” 200 مليار جنيه إسترليني (320 مليار دولار) في الاقتصاد البريطاني، تعتزم الحكومة حاليا خفض الموازنة بما يصل إلى 80 مليار جنيه (125,7 مليار دولار). وتستهدف الحكومة خفض العجز في الموازنة من 11 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 2 بالمئة في خمس سنوات عبر خفض إجمالي يصل إلى 113 مليار جنيه (178 مليار دولار) ويأتي معظمه من زيادة في الضرائب.
يأتي ذلك في وقت ينمو فيه الاقتصاد ببطء بحيث وصل في الربع الثاني من العام الجاري إلى 1,2 بالمئة وسجل معدل البطالة 8,8 بالمئة في الفصل الثاني من العام الحالي. ويتوقع أن يصل عجز الموازنة هذا العام إلى 149 مليار جنيه (231,7 مليار دولار).
وفي فرنسا تعتزم الحكومة تنفيذ خطة تقشف تشمل خفض الإنفاق بقيمة 45 مليار يورو (54,5 مليار دولار) على مدى السنوات الثلاث المقبلة.
وتقول الحكومة إنها ملتزمة بتقليص عجز الموازنة من 8 إلى 6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2011 وإلى 3 بالمئة بحلول العام 2013. وتتوقع الحكومة الفرنسية أن ينمو اقتصاد البلاد بنسبة 1,5 بالمئة هذا العام, بينما تتوقع المفوضية الأوروبية نموا بنسبة 1,3 بالمئة. وستخفض الحكومة العجز العام خلال ثلاث سنوات بنحو 100 مليار يورو (121 مليار دولار)، نصفها سيتأتى من زيادة المداخيل والنصف الثاني من خفض الإنفاق بقيمة 45 مليار يورو (54,5 مليار دولار) وسد الثغرات الضريبية بقيمة خمسة مليارات يورو (6 مليارات دولار).
وفي إسبانيا وافقت الحكومة الشهر الماضي على ميزانية تقشفية لعام 2011 تهدف إلى خفض الإنفاق العام بنسبة 8 بالمئة.
وقالت إن مشروع الموازنة يهدف إلى ضمان أن تصل الحكومة إلى العجز المستهدف في الموازنة العامة بما يعادل 6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول العام القادم.
ويتضمن المشروع خفضا عاما للإنفاق مثل الإنفاق الاجتماعي وتجميد أغلب مخصصات التقاعد بهدف تخفيض العجز البالغ 11,2 بالمئة. وتريد الحكومة خفض العجز إلى أقل من 3 بالمئة عام 2013.
كما تشمل خطة الحكومة زيادة ضريبة الدخل بالنسبة لمن يزيد دخله عن 120 ألف يورو (156 ألف دولار) سنويا بمقدار 2 بالمئة، وخفض معدل الإنفاق الوزاري بنسبة 16 بالمئة. وتتوقع الحكومة أن يصل معدل البطالة إلى 19,3 بالمئة من قوة العمل عام 2011، ارتفاعا من التقدير السابق البالغ 18,9 بالمئة.
أما اليونان التي تفجرت فيها أزمة مالية في أيار (مايو) الماضي فقالت الشهر الماضي إنها قلصت العجز في موازنتها منذ مطلع هذا العام بنسبة الثلث تقريبا، لكنها لم تبلغ رغم ذلك المستوى المستهدف لبرنامج التقشف الذي واجه احتجاجات واسعة النطاق.
وكانت الحكومة اليونانية تأمل أن تتيح الإجراءات التقشفية غير المسبوقة التي أقرت في أيار الماضي بضغط من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي تقليص العجز بنسبة 39,5 بالمئة، وهو المستوى المطلوب لبلوغ الأهداف المالية لهذا العام.
وتأمل أثينا أن تقلص العجز بنهاية العام الحالي إلى 8,1 بالمئة فقط بنهاية العام من نحو 14 بالمئة العام الماضي، أي أكثر من أربعة أضعاف الحد الأقصى الذي تسمح به لوائح الاتحاد الأوروبي وهو 3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وفي البرتغال قدمت الحكومة في الشهر الجاري خطة لخفض عجز الموازنة إلى 4,6 بالمئة في 2011 من 7,3 بالمئة هذا العام عبر زيادة الضرائب وتجميد امتيازات سن التقاعد وخفض موازنات الوزارات وخفض مرتبات القطاع العام.
كما تعتزم إيرلندا خفض الإنفاق وزيادة الضرائب من أجل خفض العجز في الموازنة إلى أقل من 10 بالمئة في العام القادم. وتهدف الحكومة إلى خفض نفقاتها بنحو 15 مليار يورو (27 مليار دولار) بحلول العام 2014.
Leave a Reply