لا أحصر اللوم بشخص رئيس الوزراء العراقي، لأنه لا يملك السلطة المطلقة. ليس وليا مثني الوسادة، ولا ديكتاتورا لا تعصى أوامره. وكم من مرة قال إنه لا يستطيع تحريك وحدة عسكرية من مكانها إلى أي مكان آخر.
وكم من وزير ومدير لا يعبأ بأوامره ولا ينفذها، وربما اعتبر الرئيس المالكي هذا من “الأخطاء” التي وعد بتصحيحها، اذا استمر في ولاية ثانية. إن شاء الله. آمين يا رب العالمين.
ولكن واقع الحال، أنه لا توجد في العراق “دولة مؤسسات” تدار بالقوانين والتقاليد الإدارية والدوافع الوطنية، بل توجد حكومة: سلطة بيروقراطية تستحوذ على المال والقرار وتلبي مطالب قوائمها قبل شعبها.
والحكومة العراقية الآن ليست متناقضة كما يشاع، أبدا!. بل متماسكة التوافق، وبالغة الوضوح في أهدافها ومطامعها، وشديدة الرجعية في فلسفتها، تعيد العراق إلى أطواره السياسية الأولى، في حكومة الملوك والكهان والمعابد. إذ يستغل التدين لترسيخ السلطة، ويوزع المجتمع إلى طبقات، تتدرج بتصنيفها حسب الولاء للملوك والكهان، أسيادا وعبيدا. والمعابد الكهنوتية القديمة، هي هي اليوم، معابد المكاتب الرئاسية والحزبية والوزارية، المتنعمة بكهرباء لا تنقطع وبالتكييف الباذخ، ووفرة الدولارات، وسكرتيرات حسناوات، وصدى أوعية دينية متباكية! (والدين لعق على ألسنتهم، يحوطونهم ما درت معايشتهم.. دينهم دنانيرهم، وقبلتهم نساؤهم.. يقولون مالا يفعلون، كبر مقتا عند الله أن يقولوا ما لا يفعلون!).
وبمناسبة الحديث عن المطبخ السياسي العراقي وعن تعجل العراقيين تناول الطبخة السياسية، التي مرت مئات الأيام على انتخاب “مقاديرها” دون أن تستوي لحد الآن!. نذكر خبر ضياع صناديق قطع الآثار النفيسة التي أعادتها الحكومة الأميركية، وتبين بعد البحث والفضائح الإعلامية والتحقيق، أنها مودعة في مطبخ رئاسة الوزراء، على أنها مواعين خزف صيني! ليس هناك من يدري ماذا في مخازن المكتب الرئاسي؟ الحمد لله أنها ما كانت ألغاما ومتفجرات. الله ستر!
أما ماذا في مطابخ الفقراء العراقيين، فإنها لا تدري بأن مواد البطاقة التموينية تقلصت الى حد مجوع. لم تصله حتى في أسوأ أيام الحصار! فكيف اليوم والحكومة وطنية وأميركا وراها؟ أكيد الحكومة لا تدري!
ورق الشاي الذي توزعه الحكومة (وهو شراب العراقيين الأول، لا تدري أهو من مزابل مخازن الشاي في سيلان، أم نشارة خشب من مصانع تايوان؟ تايوان المشهورة بتقليد الصناعات، ربما أنتجت للعراقيين “الذواقة” نشارة خشب بنكهة الشاي!) والحكومة بالتأكيد لا تدري! لا تدري ما في مطابخ فقراء شعبها، وما في مطبخها الرئاسي، ولا حتى ما في مطبخها السياسي!
وليعش أو يمت من يريد (باختياره الديمقراطي) حتى يأتي الربيع.. السياسي!
تنويه: مقال العدد الماضي للكاتب محمد الصافي كان بعنوان: الحسناء والوحوش.. في العراق!. وقد تم نشره بعنوان: “الحسناء والوحش”.. أم الماجدة العراقية والوحوش. وذلك بتعديل من محرر صفحة “دنيا وناس”، لذا اقتضى التنويه حسب رغبة الكاتب.
Leave a Reply