صلوات في الكنائس العراقية الأميركية لأرواح ضحايا مجزرة “سيدة النجاة” في بغداد
ديترويت – خاص “صدى الوطن”
تظاهر مئات أمام مبنى “مكنمارا” الفدرالي في مدينة ديترويت بعد ظهر يوم الاثنين الماضي مطالبين بحماية ما تبقى من الأقلية المسيحية في العراق. وجاءت التظاهرة عقب المجزرة التي نفذها مسلحون من تنظيم القاعدة داخل كنيسة “سيدة النجاة” للسريان الكاثوليك، خلال قداس الأحد في 31 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي في حي الكرادة في العاصمة العراقية، وسقط بنتيجتها 58 قتيلا و75 جريحا معظمهم من المصلين.
والتظاهرة كانت في عداد سلسلة من التظاهرات التي شهدتها مدن عالمية على مدى الأسبوع الماضي، تضامنا مع ضحايا مجزرة الكنيسة. وارتدى المتظاهرون اللباس الأسود حدادا وأدوا صلوات وأطلقوا شعارات: “أوقفوا الإبادة” و”استيقظي يا أميركا” و”أوقفوا التطهير العرقي”، ورفعوا يافطات تطالب الولايات المتحدة والحكومة العراقية بوضع حد لمسلسل الاعتداءات على المسيحيين في العراق الذي ابتدأ منذ الغزو الأميركي في العام 2003.
وقال المتظاهر باتريك لوسيا إن الاحتلال الأميركي للعراق أدى إلى تضاؤل نسبة السكان المسيحيين من ثلاثة إلى واحد بالمئة، ولو لم تقدم أميركا على غزو العراق في العام 2003 لبقي المسيحيون على استقرارهم..
أضاف “نحن الآن أقل من واحد بالمئة من الأقليات في العراق، لكننا الأكثر عرضة للموت، وأنا لم أحب صدام يوما، لكن الحقيقة أن العراق كان آمنا في ظل حكمه”.
ويقول المونسيور عمانوئيل شاليطا راعي أبرشية كنيسة سانت جورج في شيلبي تاونشيب إن “مسؤولية إعادة السلام إلى العراق تقع على عاتق الحكومة الأميركية فهم غزوا العراق ولذلك لا يمكنهم الهروب من المسؤولية عما حصل ويحصل في ذلك البلد. وعليهم أن يدركوا بأن ما يجري في العراق الآن هو بسبب وجودهم هناك”.
وفي كلمة ألقاها في المتظاهرين أدان لورنس منصور من مركز عشتار الثقافي في مدينة سترلينغ هايتس الحكومتين الأميركية والعراقية متهما إياهما بالتقاعس عن المبادرة الى وضع حد لاضطهاد المسيحيين في العراق. وقال “إن أحدا لم يفعل شيئا عندما جرى تفجير حافلة مليئة بالعراقيين المسيحيين في الطريق الى جامعة الموصل وأدى إلى سقوط قتيل و80 جريحا في أيار (مايو) الماضي”.
ويرى منصور أن الاحتجاج ليس فقط على مجزرة الكنيسة الأخيرة مستذكرا عددا لا يحصى من الاعتداءات الطائفية ضد مسيحيي العراق منذ الغزو الأميركي.
أضاف المونسنيور منصور “كل ستة أشهر نشهد مأساة، من قتل المسيحيين في الموصل، الى تفجير الكنائس في بغداد، الى عمليات التطهير العرقي التي تستهدف المسيحيين. وتساءل منصور: هل أميركا مستعدة للوقوف والانتصار الى جوهر قيم الديمقراطية والحرية والرفاه، لقد طفح الكيل فالى متى سيبقى نهر الدم العراقي يصب في بحيرات السياسيين في واشنطن، ومتى يدرك هؤلاء أننا تحملنا ما يكفي من المعاناة. ودعا منصور الحكومة العراقية الى أخذ المبادرة لحماية الأقليات الضعيفة والحكومة الأميركية الى مساعدة العراقيين في فرض الأمن في كل المناطق”.
وتلا الأب توما راعي كنيسة سانت توماس للسريان الكاثوليك في مدينة فارمنغتون هيلز، أسماء الضحايا الـ 58 الذين سقطوا في مجزرة كنيسة “سيدة النجاة” في بغداد، وشجع الأب توما في كلمة أمام المتظاهرين جهود التقارب بين المسلمين والمسيحيين وقال: “إن (النبي) ابراهيم كان عراقيا، وابراهيم كان يهوديا ومسيحيا ومسلما ونحن جميعا إخوة، يهودا ومسيحيين ومسلمين، كلنا أخوة ونعبد الها واحدا”.
وقال الناشط البارز وأحد المتحدثين الرئيسين في التظاهرة سام يونو إن الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة مع الولايات المتحدة لم يكونوا فاعلين في عملية جلب السلام والأمن للأقليات في العراق. وطالب يونو بإجراء تحقيق في شأن اضطهاد المسيحيين العراقيين، متسائلا “اين هو التحقيق في سقوط الشهداء وأين التحقيق في التفجيرات التي استهدفت كنائسنا؟ إننا نريد ونطالب بتحقيق كامل”.
وقالت سو كتولة من مدارس وورن المتحدة إن انخراط الحكومة الأميركية هو مسألة ضرورية في عملية منح الأقليات في العراق حقوقا متساوية. أضافت “نلتقي جميعا اليوم لأداء الصلاة عن أرواح الضحايا الأبرياء، ولأجل الأمن والسلام وللتخفيف من الألم المتمادي الذي يعيشه الأبرياء من الأقليات الدينية في العراق على مدى ثماني سنوات متواصلة في بلدهم الذي مزقته الحروب”.
وقال المواطن جان شمعون من مدينة سترلينغ هايتس إن المتطرفين حاولوا إخراج المسيحيين من الموصل قبل سنتين ولم تقم الحكومة العراقية بأية خطوة لمساعدتهم. أضاف “المسيحيون يقطنون تلك المناطق منذ آلاف السنوات وهم السكان الأصليون. إنها بلادهم. ولا يمكن القول لهم نريد أن نخرجكم من دياركم بسبب انتمائكم الديني”.
وكانت الكنائس العراقية في منطقة ديترويت قد شهدت قداديس لأرواح ضحايا المجرزة الإرهابية في كنيسة “سيدة النجاة” في بغداد. وقال الأب حنا سولاقا راعي الكنيسة اللوثرية في مدينتي وورن وديربورن خلال قداس “إنني أبكي لبلدي الذي كان من أفضل بلدان العالم. لقد قتلوا هؤلاء الناس، لماذا؟ ومن قتلهم؟ أنا أؤمن بأن هؤلاء القتلة لا يؤمنون بالله، والا لما أقدموا على هذه الجريمة”.
وقال المدير التنفيذي لمجلس العلاقات الأميركية- الاسلامية (كير)-ميشيغن داود وليد “إنني أشجع العراقيين الأميركيين على مواصلة الصلاة من أجل عائلاتهم في العراق”. أضاف: “إننا ندين بشدة الاعتداء الإرهابي الذي استهدف إحدى كنائس بغداد، وإن أي دين لا يقبل ولا يدعم هذا النوع من أعمال العنف ضد المدنيين ونصلي من أجل أن يحل اليوم الذي يمكن العراقيين من العبادة بسلام ولا تتعرض كنيسة للاعتداء في تلك الأرض التاريخية”.
ووصف إمام دار الحكمة الاسلامية محمد علي إلهي مهاجمي الكنيسة في بغداد بأنهم أناس بلا إيمان ولا كرامة أو روح وسلوكهم بعيد كل البعد عن الإنسانية.
وكان مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى مايكل كورين قد زار مدينة ديترويت في حزيران (يونيو) الماضي للتحدث الى الجالية الكلدانية العراقية حول مخاوفها. وقال إن الحكومة الأميركية ستسحب قواتها من العراق مع نهاية العام 2011 وتخطط لجعل إحلال السلام في ذلك البلد على رأس أولوياتها. وقال كورين إن الحكومة الأميركية ستعمل أيضا عن كثب مع العراق لضمان قيام حكومة تمثل مختلف المجموعات الدينية الإثنية بصورة عامة.
ووفقا لتقديرات متنوعة كانت أعداد المسيحين في العراق نحو 800 ألفا قبل الغزو الأميركي في العام 2003 ونتيجة للاعتداءات المتواصلة ضدهم انخفض هذا العدد الى 550 الفا. واعتبر الأب حنا سولاقا أن العراق بات على حافة انقراض مواطنيه المسيحيين، الذين يغادورنه الى البلدان المجاورة والى قارات العالم هربا من القتل والاضطهاد.
وغادر أكثر من نصف السكان المسيحيين العراق، خصوصا بعد الغزو الأميركي في العام 2003 ويمثل الباقون نسبة أقل من 3 بالمئة من السكان، بعدما كانوا يمقثلون سبعة بالمئة في ثمانينات القرن الماضي.
وفي تطور آخر الأربعاء الماضي استهدفت أربعة منازل لمسيحيين في بغداد بعمليات تفجير أسفرت عن سقوط ثلاثة قتلى و٢٦ جريحاً، وسبق ذلك اعتداءات على منازل لمسيحيين في حي المنصور في بغداد دون وقوع اصابات.
Leave a Reply