المعارضة اللبنانية السابقة “اليقظة” دوماً، وغيرالمعتمدة على ردود الفعل التي عادةً ما يضعها فيها الفريق الآخر، “أكلت الضرب” الذي حضره لها رئيس الجمهورية مع دولاب اليانصيب البشري اليومي وليد جنبلاط فخسرت هي وربحت الأكثرية الورقية بالنقاط. “فصحتين معارضة وتعيشي وتاكلي غيرها”! ومنذ الآن، أصبح ثابتا أنه لو صوت ميشال سليمان ألف مرة في جلسة مجلس الوزراء، التي نفيت إلى ما بعد بعد العيد، إلى جانب إحالة المزورين للمجلس العدلي لن يشفع له هذا التصويت أو يغطي انحيازه وتنسيقه الكامل مع جماعة “١٤ آذار”. فإذا عرفت المعارضة بذلك فتلك مصيبة، وإن لم تعرف فتلك مصيبةٌ أعظم!
وهكذا راهنت المعارضة السابقة، ومعها سوريا، على موقف وليد جنبلاط في مجلس الوزراء وحبست أنفاسها لمعرفة أين يقف، فحصدت الخيبة والمرارة كعادتها. فجنبلاط الذي قيل لنا أنه لايجوز إذلاله أكثر مما ذل نفسه بالوقوف ضد تاريخه، وضرورة إستقبال سوريا له رغم لدغها مرة ثانية، سمعنا معزوفة أنه يعاني من معارضة البعض في فريقه على الإنتقال إلى الخط المعادي لليمين الفاشي. جنبلاط هذا كان يمشي بين النقط. من جهة، يريد إبقاء علاقته مع سعد الحريري والسعودية ومن جهةٍ ثانية يريد أن يثبت لسوريا أنها بإمكانها الإعتماد عليه. هذا موقف لايحسد عليه خصوصاً أن صديقة جيفري فيلتمان نبهه إلى “خطورة” إحالة ملف شهود الزور إلى المجلس العدلي قبل صدور “القرار الظني”. وهنا بيت القصيد. فالإدارة الأميركية هي التي تقف رأس حربة في تعزيز “المحكمة الدولية” عن طريق تمويلها بعشرة ملايين دولار وقد أرسلت جيفري فيلتمان إلى “شبه الوطن” على وجه السرعة، بعد زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الرائعة، لكي يحذر رئيس الجمهورية في بيته من تحويل ملف شهود الزور على المجلس العدلي وضرورة التمسك بالمحكمة مما أنعش جوقة “الدنيا هيك” ودب الدم من جديد في عروقها. وبما أن “العزيز جيف” (على طريقة أنور السادات الذي كان يسمي كيسنجر “بالعزيز هنري”) يعرف بتفاصيل السياسة اللبنانية الاخطبوطية، وإحراجات جنبلاط السورية، “أوصاه” بالتنسيق مع سليمان كما ذكرت المصادرالإعلامية. ولم يكذب جنبلاط خبراً حيث أنه كان في كل تصاريحه يحاول إبعاد كأس التصويت المرة عن شفتيه وتزامن موقفه مع موقف رئيس الجمهورية الذي يحاول منذ أكثر من شهرين جدولة المشاكل من تسليم ملف شهود الزور إلى سمير جعجع، ثم تأجيل التصويت عليه، إلى إلغاء جلسة مجلس الوزراء ما قبل الأخيرة، إلى الدعوة إلى الحوار في اليوم التالي، إلى “عشائه السري” مع سعد في بيت “الوسط”، وصولاً إلى إقترح لجنة برلمانية للبت بملف الشهود تيمناً بالدول الأوروبية الراقية (والله هذه نكته الموسم، مثلها مثل “هيئة العمل على إلغاء الطائفية السياسية”) وكأن هناك متسعاً من الوقت لعدة سنين، وليس هناك قراراً ظنياً كتب عام ٢٠٠٦ سيصدر قبل نهاية السنة، من أجل رد الإعتبار لهزيمة إسرائيل! لقد أراد السيد حسن نصرالله أن يبق البحصة منذ شهرين حول الأدلة الدامغة التي تثبت إنحياز “محكمة الفتنة الإسرائيلية” لكن مروجي القمة السورية-السعودية ألحوا والتمسوا اعطاء مجال للتهدئة من أجل إيجاد حل لمشكلة شهود الزور والقرار الظني، جعلت السيد “يشحط فريماً” (أي يستخدم المكابح) لكن اليوم بلغ السيل الزبى بعد أن وصلت الصفاقة بأشقياء “المحكمة” إلى درجة محاولة معرفة ما في بطون نسائنا بحيث لم يعد ينفع لبس القفازات و”طبطبة” خواطر أحد أمام مصير فيه حياة أو موت. لكن طابخ السم آكله دوماً كما علمنا التاريخ، وسم المحكمة “الدسم” لن يشذ عن هذه القاعدة. والتصعيد الكلامي الأميركي لن ينفع، كما لم ينفع في أزمنة سابقة.
وبمناسبة الحديث عن جلسة الحكومة الأخيرة، أعجبني ما ذكرته مصادر صحافية عن “مشادة اصبعية” بين سعد والوزير شربل نحاس، بدأت عندما لوح الأول للثاني بإصبع تهديدي لأنه تحدث عن “ضغوط” يتعرض لها البعض، وكادت أن تتحول إلى خناقة جسدية و”علقة ساخنة” في الحي. والحقيقة، فإن شربل غلطان، إذ كيف تمارس الضغوط على بلد يتمتع بحرية وسيادة وإستقلال بفضل “ثورة البطيخ”؟ “ولو؟” لبنان هو الذي يضغط على الدول وليس العكس.
انها فعلاً مسخرة لا سابق لها وكما قال العماد عون، أن حكومة لا تجرؤ على إحالة شاهد زور إلى المحكمة يجب أن تستقيل فوراً. ربما لأن هذا الشاهد قريب جداً من مركز القرار يا ترى؟ وربما بسبب هذا الموقف العوني المشرف وتفاهمه التاريخي مع مكون أساسي من مكونات الوطن تثار ضده “حرب داحس والغبراء”. فها هو “تجمع مسيحيي سمير جعجع” بقيادة بكركي، ينعقد بحضور أقطاب الكيانية والحزب المالك وطاهية شارون المفضلة و”أم رعيدة” معوض (وللأمانة فالتوصيف هنا يعود لصديق). لقد كان مشهد إحياء العظام وهي رميم مأساويٌ جداً حيث أن “الجبهات” الطائفية التي برزت كالفطر منذ أيام القسيس و”الجبهة اللبنانية” ثم “القوات اللبنانية” وتنظيم “حراس الأرز” وحتى “قرنة شهوان”، أثبتت عقمها وفشلها على مر السنين. وعلى سيرة “حراس الأرز”، لم يجد رئيس الجمهورية من بين كل العباقرة في لبنان إلا “أبيهم الروحي” سعيد عقل لكي يقلده وسام الأرز الوطني من رتبة ضابط أكبر، “تقديراً لعطاءاته على الصعيد الأدبي والشعري والوطني”!
الوطني؟ كان الأجدى إعطاء الوسام لإتيان صقر. ولما لا، ألم يحصل جون بولتون على وسام الأرز حمله إليه فارس سعيد الدروندي وغازي يوسف أفندي؟ وطني جداً سعيد عقل هذا والبرهان على وطنجيته “الخائنة” تصريحه المنحط على “يوتيوب” مسمياً جيش إسرائيل بجيش الخلاص “لتنظيف لبنان من كل الفلسطينيين” ودعوته “لقص رأس من يقول أن جيش إسرائيل جيش غزو”. إنه زمن بدون مقياس أو فهم أو عقل!!
Leave a Reply